وتحتاج إلى رجال قد لا نجدهم في طائفة العلماء، وتحتاج إلى مال يكافأ به العاملون؛ ولكن سمو المطلب يحملنا على تذليل كل عقبة تقف في طريقه، وتوجب علينا السخاء والبذل لأننا نريد إصلاح أعز شيء على نفوس الجماهير، ونريد بهذا الإصلاح تقويم هذه الأمة ونهوضها.
بعد أن ذكر الأستاذ الأكبر هذا البيان الشامل لما ينبغي أن يكون عليه الإصلاح، أتبعه بذكر الأسس الإجمالية للنظام الذي يبغي أن يكون عليه الأزهر والمعاهد الدينية؛ وهي أسس لا يكاد نظام الأزهر المعمول به الآن يخرج عنها. وقد جاء في أثناء ذلك فقرات هامة لابد من تسجيلها.
منها قوله:
(عندما فكرت الحكومة المصرية في إنشاء مدرسة دار العلوم لتخريج أساتذة اللغة العربية في المدارس الأميرية، كان العلماء في الأزهر لا يعنون إلا بدراسة القواعد وفلسفتها دراسة نظرية بعيدة عن التطبيق، وبدراسة الألفاظ وخدمة عبارات المؤلفين، ولا يعنون بالغاية من اللغة ولا بخدمة اللغة نفسها!
يشهد بذلك أن أسلوب الكتب المؤلفة في تلك الأيام بعيد كل البعد عن اللغة. ويشهد بذلك أن بعض كبار العلماء ممن شاهدناهم لم يكونوا يحسنون التعبير عن أغراضهم، ولا تزال منهم بقية إلى اليوم. وكان العلماء لا يدرسون شيئاً من العلوم العامة كالتاريخ والحساب والهندسة وتقويم البلدان. وكانوا يحافظون على ما هم عليه أشد المحافظة، ولا يرون الخير إلا فيما هم فيه؛ فلم تكن معلوماتهم العامة ولا طرائق تعليمهم مؤهلة لتوليهم تعليم النشء في المدارس الأميرية على النحو الحديث.
وعندما فكرت الحكومة في إنشاء مدرسة القضاء الشرعي كان الأزهر على النحو الذي وصفته؛ وكان فيهم علماء يحرمون تقويم البلدان والتاريخ والحساب، ويكتبون مقالات في الجرائد ضد هذه العلوم. وكان ولاة الأمور يشكون من أن القضاة لا يعرفون الأرقام، ولا يعرفون طرق التوثيق، ولا يعرفون من العلوم العامة ما يجب أن يعرفه شخص يتولى الحكم بين الناس.
وقد بدل الله هذه الأحوال، وأصبح قانون الأزهر مشتملاً على ضعفي العلوم التي كانت