ويقول تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. . .) فهذه الآية تنبه الرجل والمرأة إلى أن من أعظم دلائل قدرته وآيات كرمه أن خلق للرجل زوجة من لحمه ودمه ليكون الإلف أتم، والجاذبية أقوى، ولتكون الزوجة مأوى له، يسكن إليها وقت فراغه، فيأتنس بحنوها، ويتفيأ بظل عطفها، ويستمد من جانبها هناءة العيش وروح التشجيع في حياته، فتهون عليه متاعب الاعمال، ويستهين بالكفاح في الدنيا، ويستقبل شأنه كل يوم بعزم قوي وأمل جديد؛ وهكذا دواليك؛ ليظل البناء في صعود، وعمارة الكون في ازدياد؛ وهذه سنة الله تعالى، فقد أقام دنيانا على البناء والتعمير ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
كذلك من دلائل كرمه التي حدثتنا بها الآية أنه جعل بين الزوجين مودة حب، ورحمة عطف، ثابتتين لا تبليان كما تبلى مودة غير الزوجين ممن جمعت بينهما الصدف، أو ألفت بينهما الشهوات.
فمن انقطع عن التزوج فقد فاتته سلوة الحياة وأسلم نفسه للوحشة البغيضة؛ وقد يصادفه يوم قريب أو بعيد يتمنى فيه لو تدارك ما فاته.
ويقول تعالى:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وفي اعتبار البنين زينة الدنيا ترغيب قوي في الزواج. فإن النفس مطبوعة على حب الدنيا وزينتها بأكمل ما يستطيع المرء تحصيله.
ويقول عز شأنه:(وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم). فهو يأمرنا بتزويج الأيامى: وهم أهل العزوبة ولو كانوا من العبيد المملوكين، ويطمئننا من جهة الرزق فيقول:(إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله، والله واسع عليم).
ويحدثنا المولى سبحانه عن الأنبياء وعن المؤمنين الصادقين بأنهم كانوا يتمنون الذرية الطيبة، والزوجة الموفقة الممتعة، فإبراهيم عليه السلام كان يقول:(رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعائي)؛ وزكريا عليه السلام كان يقول:(رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء).
فأنت ترى مقدار حرص النبيين على الذرية الطيبة، وليس للذرية سبيل غير الحياة الزوجية؛ وهذا ما كان يدعو به المؤمنون فيقولون: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة