لا نجد من القول للترغيب في الدنيا وامتداح ما فيها خيراً من هذا ولا قريباً من هذا. وإنه لإحباط وتزييف لما يحاوله نفر من الناس في الترغيب عن متع الحياة وصرف النفوس عما خلق الله من الطيبات. فلم تكن الدنيا وما اشتملته من مظاهر القدرة وأنواع الخير إلا متاعاً للإنسان: يناله، ويشكر، ويمن به المولى - بعد - على عباده، ويثيب من شكر. ثم يترقى كلام النبي (ص) في المدح لمتاع الدنيا فيقول: (وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة). أفرأيت ما يجذب الرجل نحو الزوجة خيراً من هذا وأبلغ؟ أو رأيت أن الزوجة تعتبر خير متاع في الدنيا ثم ينظر إليها فريق منا نظرتهم إلى شيء مشؤوم، ويفرون منها فرارهم من أمر بغيض؟؟ هذه غاية الغايات في امتداح الحياة الزوجية. أفلا يكون التغاضي عنها إلا من مكابر استعذب المر واستمرأ الخبيث؟؟ إنه لكذلك.
ولقد اعتزم ثلاثة من أصحاب النبي (ص) أن يجتهدوا في العبادة، فاختار أحدهم أن يصوم دائماً، واختار الثاني أن يصلي ليله دائماً، ورغب الثالث أن يترك الزواج دائماً، فجاء إليهم النبي (ص) وقال لهم: (أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكن أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنت فليس مني) فهو يأبى على أصحابه أن يهجروا الدنيا للدين، وأن ينقطعوا عن النساء ليتصلوا بالعبادة، ويعلمهم أنه لا رهبانية في الإسلام، وأن ما يحسبونه متاعاً محضاً إن هو إلا دين محض، وهو على ما فيه من ترضية النفس أكرم وسيلة لترضية الله، وخير سنة نأخذ بها عن رسول الله، فمن زهد في متابعته فليس من دينه في شيء، ولا من الصلة بالنبي على طرف.
وإذاً كان الانقطاع للعبادة أمراً مستهجناً، والتعفف عن الزواج لذلك نبواً عن الدين، وجهلاً بمزاياه. فما بالك بمن يعتاض عن الزيجة الحلال بمن لا يحل؟ وما ظنك بمن يعاف الطيب الشهب ويتكالب على القذر الكريه؟ رب:(إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء. . .).
ورضي الله عن عمر فقد قال يوماً لرجل أعزب يراه قادراً على الزواج: لا يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور.
وكذلك قال بعض الأئمة من سلف المسلمين: ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن