الصدد أن يحرم الغش والجور وتخويل أناس بغير حق ما يحرمه غيرهم من العاملين.
كان أوليفر لودج عالماً رياضياً من الطراز الأول، وكانت له بحوث مشهورة في مخاطبة الأرواح وما وراء المادة، وربما انصرف أحياناً من الرياضيات والروحيات إلى المباحث الاجتماعية وشؤون الثروة والسياسة، ولكنه كان يأتي فيها إذا انصرف إليها بمقطع الرأي وفصل الخطاب، لأنه بعيد من الهوى والتشيع لهذا المذهب أو ذاك. . . فمن نصائحه في هذا الباب أن تتولى الدولة مراقبة المال كما تتولى مراقبة السلاح، لأن الخطر من سوء استخدام المال لا يقل عن الخطر من سوء استخدام السلاح، وربما ظهرت جريمة السلاح بعد اقترافها بقليل ولقي صاحبها من الجزاء ما فيه عبرة لغيره؛ أما جريمة المال فقد ينقضي العمر وهي خافية؛ وقد يقترفها أناس بعيدون من الشبهات لأنهم ليسوا من حثالة الخلق الذين يعتدون بالخناجر والمسدسات.
فإذا وجبت مراقبة المال في أيدي المسيطرين به على سواد الناس، فمن الواجب أن تكون الرقابة على النحو الذي قصد إليه الرياضي الكبير، ولا سيما في العصر الذي أصبح المال فيه مرادفاً لمعنى الثقة والائتمان. فلا يجوز في هذا العصر أن توضع الثقة الاجتماعية في أيدي أناس يعبثون بها جهرة أو خفية، ولا يجوز إذا هي وضعت في بعض الأيدي أن تترك هملاً بغير رقابة أو حيطة أو بغير علم بما تتجه إليه وتجري فيه.
وهنا نسأل: ما هي حدود الرقابة الاجتماعية على سيطرة الأموال في أيدي الأفراد أو الجماعات التي تسوس أموال الأفراد؟
وجواب هذا السؤال أن الرقابة الوحيدة الممنوعة هي الرقابة التي تشل الدوافع النفسية والبواعث الحيوية وتخرجها في نظامها مخرج الجهود الآلية والأرقام الحسابية، فإن المجتمع الإنساني لن يكسب شيئاً من تنظيمه النفوس تنظيم الآلات التي تتحرك بأمر وتسكن بأمر ولا تتخطى ما يرسم لها من الخطوط والغايات.
فللمجتمع أن يراقب المال وأن يأخذ نصيبه منه للمصلحة الاجتماعية التي يشترك فيها الأغنياء والفقراء، ولكن ليس للمجتمع أن يمسخ الطبيعة ويجور على حركات النفوس وبواعث الحياة، لأنه يتعرض بالقوانين لأمر لم تخلقه القوانين، ويأخذ ما ليس في وسعه أن يرده أو يعوضه بمثله.