وليس في الدار ما يشيعونه به إلى لحده؛ وكان هذا الصاحب مفراحاً، يأكل ما يشتهي، ويلبس الفاخر من الثياب، ويطعم أبنائه أحسن مطعم، ويكسوهم أجل كسوة، ويقضي سهراته بينهم ضاحكاً متهللاً على صينية من الحلوى أو الفاكهة، وهو لا يشغل باله لحظة بما يكون، ولا يبالي بعد موته ما يأكلون ويشربون. فأي الأبوين أسعد؟ وأي الأبناء أحظى بحسن المصير؟
وهذا السؤال الذي سأله الدكتور صروف سيظل أبد الزمان مسؤولاً يجيبه من يشاء كما يشاء؛ ولكنه جواب لن يجعل المفراح مشغولاً بتوريث أبنائه، ولا المشغول بتوريث الأبناء مفراحاً ينعم بالحاضر ولا يعني نفسه بالغيب المجهول.
فخديعةٌ من خدائع النفس أن تعلل حرصها على المال بحب الأبناء، ولو كان حبٌ مانعاً أن ينفق الإنسان كل ما عنده لكان حبه لنفسه وخوفه على غده أحرى أن يمنعه ويقبض يديه، ولكنها خديعة النفس كما نقول تتراءى لها في مختلف الذرائع والتعلات.
إنما تفسِّر أعمال الإنسان بالبواعث والدوافع قبل أن تفسر بالنتائج والغايات. وإذا قيل لنا إن فلاناً يجمع المال لأنه يخاف عاقبة الفقر، قلنا: ولماذا يخاف هذه العاقبة التي لا يخافها غيره!! إنه لا يخالف غيره إلا لاختلاف البواعث النفسية دون الاختلاف في الغايات التي قد يتفقون عليها من جانب التأمل والتفكير.
المال يطلبه الإنسان لباعث قبل أن يطلبه لغاية، ومن بواعث طلبه الخوف والمنافسة والطموح وحب الكسب للكسب كما يفرح اللاعب بالرهان الذي ليس من ورائه طائل، وهنا موضع التحذير للمصلحين الذين يعالجون مسألة الغنى والفقر على أساس الأرقام والقواعد الاقتصادية ويغفلون علاجها على أساس الشعور والبواعث النفسية. فأنت إذا أعطيت الفارس قصبة السبق قبل دخوله الميدان لم ترحه ولم تعطه ما يريد؛ وإذا منعت المتنافسين أن يتنافسوا لأنك ضمنت الرزق لأبنائهم أو ضمنت الأمان لهم في عقباهم لم تستأصل أسباب التنافس ولم تعطهم الحياة التي جعلتهم يتنافسون.
إنما الواجب أن ندع الناس يطلبون المال كما يطلبون العلم أو يطلبون الجاه أو يطلبون السرور أو يطلبون الفرص النادرة والمقاحم المجهولة، وليس علينا أن نسألهم لماذا يطلبونه، وإنما علينا أن نمنعهم إنفاقه فيما يضير الآخرين، فغاية ما يحق للمجتمع في هذا