لكل هوىً واش فإن ضُعضع الهوى ... فلا تلم الواشي ولم من أطاعه
وقولوا رأينا من حمدتَ افتراقه ... ولم ترنا من لم تذم اجتماعه
وما كنتما إلا يراعاً وكاتباً ... فملَّ وألقى في التراب يراعه
فإن أطرق الغضبان أو خط في الثرى ... فقولوا فقد ألقى إليكم سماعه
وبالله كفوا إن تمادى فإنه ... رقيق حواشي الطبع أخشى انصداعه
وإن نصب الشكوى عليَّ فسابقوا ... وقولوا: نعم، نشكو إليك طباعه
وإن رام سبي فاحدثوا لي معايباً ... وسباً بليغاً تحسنون اختراعه
وهنوا رقيبي بالرقاد فطالما ... جعلت على جمر السهاد اضطجاعه
ولا تحسدوا وداين يومين عنده ... فإن حبيبي تعلمون خداعه
ودوروا على حكم الغرام فإنه ... قضى لظاه أن تهين سباعه
ضعيف الهوى من بات يشكو زمانه ... وأضعف منه من يرجِّى اصطناعه
ولو علم المشتاق عقبى اتصاله ... لآثر بين العاشقين انقطاعه
ومن طلب الأحباب حرصاً على البقا ... فما رام بين الناس إلا ضياعه
فهذه القصيدة من آيات الشعر العربي. ومن غرائبها هذا البيت:
لكل هوى واشٍ فإن ضُعضِع الهوى ... فلا تلم الواشي ولُمْ من أطاعه
وهذا البيت:
ولو علم المشتاق عقبى اتصاله ... لآثر بين العاشقين انقطاعهُ
والقصيدة في جملتها روحٌ مضرَّج بالدم، وإن بدت للغافل في صورة الحديث المعاد
٧ - وتجيء بعد ذلك مقتطفات من شعره الرقيق؛ ولكن أين تلك المقتطفات؟
كنت أرجو أن أجد شواهد كثيرة على شاعرية ابن النحاس مما انتثر في أثناء قصائده من الأبيات الفرائد؛ ثم صَعُب عليَّ تحقيق ما رجوت؛ فقد راجعتُ الديوان مرات ومرات ولم أظفر بما أريد.
فهل يكون من الخير أن أشير إلى أن له بيتين في (الدُّخان) لا يزال معناهما على ألسنة الناس في مصر إلى هذا العهد؟ ابن النحاس يقول:
وأرى التولع بالدخان وشربه ... عوناً لكامن لوعة الأحشاء