المفردات، فبدون إعراب الكلمات تختل أوزان هذا الشعر وتضطرب موسيقاه. ومما لاشك فيه أن هذه الأوزان سابقة لعلماء البصرة والكوفة، وأن شعراً عربياً كثيراً قد قيل على غرارها من قبل الإسلام ومن بعده قبل أن يُخلق هؤلاء العلماء. فإنكار هذا الشعر لا سبيل إليه. ولا يمكن أن يكون قد أُلِّف غير معرب الكلمات؛ لأن عدم إعرابها يترتب عليه اضطراب أوزانه واختلال موسيقاه
١٣ - وأقوى من هذا كله في الدلالة على فساد هذا المذهب تواتر القرآن الكريم ووصوله إلينا معرب الكلمات
١٤ - وإن في رسم المصحف العثماني نفسه، مع تجرده من الأعجام والشكل، لدليلاً على فساد هذا المذهب. وذلك أن المصحف العثماني يرمز إلى كثير من علامات الإعراب بالحروف (المؤمنون، المؤمنين. . .)، وعلامة إعراب المنصوب المنون (رسولاً، شهيداً، حسيباً، بصيراً. . .) وهلم جراً. ولا شك أن المصحف العثماني قد دُوِّن في عصر سابق بأمد غير قصير لعهد علماء البصرة والكوفة الذي تنسب إليهم هذه المذاهب الفاسدة اختراع قواعد الإعراب.
فنظام الإعراب عنصر أساسي من عناصر اللغة العربية؛ وقد اشتملت عليه منذ أقدم عهودها. وكل ما عمله علماء القواعد حياله هو أنهم استخلصوا مناهجه استخلاصاً من القرآن والحديث وكلام الفصحاء من العرب ورتبوها، وصاغوها في صورة قواعد وقوانين. ثم أخذ هذا النظام ينقرض شيئاً فشيئاً من اللهجات العامية تحت تأثير العوامل السابق ذكرها في المقالين السابقين، حتى لم يبق له في هذه اللهجات إلا آثار ضئيلة.
غير أنه لا يسعنا أن ننكر أن قواعد الإعراب لم يكن لها قديماً في لهجات الحديث ما كان لها في لغة الأدب من شأن. وذلك أن طائفة كبيرة من هذه القواعد لا تظهر وظائفها وتمس الحاجة إليها إلا في مسائل التفكير المنظم المسلسل، والمعاني المرتبة الدقيقة التي يندر أن تعالج في لغات التخاطب العادي. وهكذا الشأن في جميع لغات العالم؛ فكثير من قواعد الفرنسية مثلاً يندر أن يحتاج إليها في المحادثات العادية. وفضلاً عن ذلك فقد نقل إلينا المؤرخون الثقات أن ألسنة العرب كانت عرضة للزلل في هذه القواعد منذ العصر الإسلامي، بل قبل ذلك العصر وأن هذا اللحن لم يكن مقصوراً على عامتهم، بل كان يقع