وإذا ألقينا نظرة عامة على بيت الزوجية في وقتنا هذا نستطيع أن نطمس آثار الاختلاط هكذا: تنقطع المرأة عن تأدية وظيفتها كسيدة وهي التي جعلت لتلزم بيتها كي تنفث فيه من روحها وأنوثتها فتدعو ملائكة السعادة لترفرف بأجنحتها على تلك الجنة. جعلت الآن تكثر من التغيب في الخارج. فحالات الاختلاط الجديدة ومقتضياته تشغلها بعيداً عن بيتها؛ فهي دائماً في زيارة صديقاتها وأصدقائها والاجتماع بهم في كل وقت وفي كل مكان؛ فإذا بها لا تعرف شيئاً عن نظافة بيتها ونظامه وترتيبه، ولا تعرف شيئاً عن مأكلها ومشربها، ولا تعرف شيئاً عما يتطلبه البيت من إصلاح خلل أو إكمال نقص، ولا تعرف شيئاً عما هو أهم من ذلك كله وهو تربية أطفالها. أما زوجها فهو آخر من تفكر في أن تعنى بهم، وهي التي جاءت من أجله ومن أجله فقط: تؤنسه في وحدته، وتشاركه الحياة وتمتعه بما لديها من صفات منحها الله إياها.
كل ذلك لأنها خرجت عن الحياة التي خلقت لها، فخرجت بذلك هي وزوجها من الجنة؛ وأخرجها تجنيها عن البيت واندفاعها في الاختلاط وفي حياة الشوارع. فهل هذه إذن حياة المدنية وهل هذا هو الرقي، وهل هذه هي نتيجة العلم والثقافة؟ المضحك أن تسمى ثقافة وهي أبعد ما تكون عما يطابق العقل والمنطق. ليست الثقافة والحضارة والتقدم أن تتقن المرأة الكلام بالفرنسية والإنجليزية لا لشيء إلا للفرنجة وتكلف الأرستقراطية واتخاذها وسيلة للرقاعة والتهتك. ليست الثقافة والحضارة والتقدم أن تغشى المرأة المنتديات والمجتمعات، وأن تتقن فن المقابلات والتشريفات بعد إتقانها لفن البهرجة والزينات. الثقافة الحقة والحضارة الحقة والتقدم الحق هو أن تعرف المرأة واجبها نحو بيتها ونحو الحياة النافعة، وأن تتقن فنونها التي خلقت لها لتعيش مطمئنة سعيدة ولتشيد أسس حياة هادئة هي عنوان التقدم والرقي المستمر.
ورحم الله قاسم أمين! فلو كان حياً لاستنكر أسلوب المرأة في تنفيذ تعاليمه، فما كان قصد قاسم أمين إلا أن يحرر المرأة من العبودية القديمة حين كان الرجل يجعل المرأة عبداً يشترى ويسخر في تنفيذ رغباته وإشباع شهواته. لقد أراد قاسم أمين أن يخلص المرأة من ظلم خاطئ، فأساءت المرأة فهم الغرض الذي قصد إليه وتعثرت في الطريق الذي أشار به فضلت السبيل وتمادت في ضلالها. فنحن إذ نرفع صوتنا اليوم إنما نحسن إليه ذكرى قاسم