المرأة في ميادين الرجال، ولكثرة ما تبديه من محاسنها وزينتها انخفض سعرها وقل طلبها.
والذي لاشك فيه أن الاحتجاب أو نصف الاحتجاب يثير في النفس - وهي فضيلة بطبعها - الرغبة القوية وحب الاستطلاع؛ فبعد أن كان الرجل يطلب المرأة - وهي بعيدة عنه - ليستمتع بأنوثتها المستترة في خجلها وحيائها ووقارها، أصبح يكره تبذلها ويمقت جرأتها، فهو لا يفكر فيها إلا كأداة لسروره وعبثه.
كذلك نجم عن الاختلاط السيئ أن فقدت المرأة كثيراً من المعاني السامية: كالأمانة والشرف والعفة والقناعة، فانحطت وهبطت بالرجل إلى منزلة الحيوان.
وإننا إذا نظرنا إلى حياة الأسرة بعد الاختلاط فأول ما يبدو لنا هو تلك المسألة العويصة التي أصبحت مشكلة المشاكل الاجتماعية وهي مسألة الزواج. فإن الرجل بعد الذي رآه في المرأة من استهتار وتهتك أصبح يعتقد أنها لم تعد صالحة للحياة الزوجية؛ فأعرض عن الزواج وجعل يستعيض عنه بالمتعة الوقتية التي سهلتها له المرأة ووفرتها له كل التوفير.
على أن الذين يقبلون على الزواج ينقسمون إلى فريقين؛ فمنهم من هو محافظ غيور على شرفه وكرامته، وهذا الصنف تصبح حياته كالآتي: المرأة تريد التبذل والاختلاط، وتريد التحرر من القيود والأغلال على حد تعبيرها؛ والرجل يغار عليها ويشعل الشك فؤاده وجوانحه فلا يطيق صبراً على هذه الحياة فيثور ويفور ويهدد ويتوعد وتصبح حياته جحيماً لا يطاق. فإما أن ينتهي الأمر إلى الطلاق وهو ويل لو تعلمون عظيم؛ وإما أن ينتهي والعياذ بالله إلى مأساة محزنة لا استدراك لها فتنهدم أركان الأسرة الجديدة.
أما الفريق الآخر من الأزواج فهم الذين يتركون الأمور كما تسيرها الظروف والأهواء، فيلقون الحبل على الغارب متكلفين الهدوء والبرود، لا يسألون زوجاتهم أينهن وماذا يفعلن. وذلك إما لضعفهن الاخلاقي، وإما ليأسهم من وجود ما هو خير من حالهم. والنتيجة دمار وخراب. فإن المرأة حينئذ تتمادى في عبثها وفي فسادها، وينخرط هو في سبيل الرذيلة والشر إلى أن يحدث أحد الأمرين: إما ألا يطيق أحد الزوجين صبراً فينفجر مرة واحدة، فإذا بالزواج رماد تذروه الرياح؛ وإما أن يدب العطب في الحياة الزوجية لخلوها من العناصر الشريفة الظاهرة التي تصونها من العفن فتصير نوعاً من الهمجية الإباحية التي لا نستطيع أن نسميها حياة بالمعنى الذي تقبله الحضارة الحقة والإنسانية الرفيعة.