للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في هذا المضمار، فأصبحت تلك الأماكن معارض يتبارين فيه لإظهار مقدرتهم على الفتنة والإغراء. وخرج الرجال بطبيعة الحال يستمتعون بهذه المظاهر الجديدة الخلابة، فكانوا يلقون كلمات الإعجاب في آذان النساء سواء أكانوا في ذلك مخلصين أم منافقين؛ ولكنها كلمات تروق النساء وتأخذ بمجامع قلوبهن على كل حال.

فكرت المرأة في أنه من العبث أن تتجمل هكذا للشوارع فقط، وفكر الرجل في أن يستمتع هو الآخر بهذه الفتنة، فأخذ كل منهما يسعى إلى الاستمتاع: المرأة بتجملها وتدللها، والرجل بما ينجذب إليه من هذا التجمل وهذا الدلال. وأخذت النشوة كل من الفريقين، وأعمتهم الشهوة فاستحلوا ما حرم، واستباحوا كل ممنوع، فانتحلوا أسباباً وخلقوا أساليب. وتستروا باسم المدنية والتقدم لتنفيذ أغراضهم، واندفعوا في تيار حياة الاختلاط البراقة فشربوا السم في برشامة.

وهكذا أصبحت ترى المرأة بشكلها الجديد ترتاد دور الخيالة وأندية السباق والمراهنات، وحدها تارة أو مصحوبة أخرى بأصدقاء من الجنس الآخر اتخذتهم دون اعتبار لما بين الجنسين من فوارق. تراها تحتضن رجالها واحداً بعد واحد، وتراقصهم وتحتسي معهم الخمر. فالفتاة الصغيرة لا يقوى أبوها على ردها، لأن المدنية تتطلب منه ذلك؛ والزوجة الصغيرة لا يقوى زوجها على منعها، لأنه هو الآخر يفعل ذلك؛ فالمدنية تتطلب هذا، والأم القديمة تعلمت هي الأخرى، فخلبتها المدنية الحديثة، فاشتركت في هذا. فعلت المرأة كل ذلك وأكثر من ذلك غير عابئة بدين ولا خلق، وهي تظن أن هذه هي الحياة كما يجب أن تكون، وزكاها في ذلك جماعة من المخبولين العابثين الذين يسوقونها ويسخرونها لشهواتهم ولذاتهم ويتركونها بعد ذلك محتقرة مزدراة. اندفعت إذن المرأة في مدنيتها المزعومة وحريتها الموهوبة، فعم الفساد والشر.

وخلاصة القول أن المرأة بما اتبعته من ضروب التبذل غيرت معالم أنوثتها فبدلت جمالها الطبيعي الذي وهبها الله إياه وأحلت محله بعض النقوش والأصباغ، ففسد ذوقها في فهم الجمال وأفسدت ذوق الرجال أيضاً، فضاع جزء كبير من قيمة أنوثتها الطبيعية، وفقدت الرقة والسحر الحقيقيين. فبإسرافها في إبراز محاسنها أضعفت إلى حد كبير سطوتها على قلوب الرجال وعواطفهم. والأمر في الواقع يخضع كذلك لقانون العرض والطلب. فلكثرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>