بضرورياته وكمالياته، ولا يخرج هذا الفريق من كهوفه إلا ليلاً، فأصبح النور يؤذي عينه؛ ولذا كان سلاح البطل الوحيد الذي يتقي به شر تلك المملكة المظلمة هو عود الثقاب يشعله فتهرب منه تلك المخلوقات الحقيرة كما تهرب الخفافيش من وهج الشمس الساطعة.
وقد ارتقى الطب في العالم الجديد ارتقاء مثالياً فلم يعد يخشى شر الأوبئة بعد، وعم الأمن سائر أرجائه مما بعث في النفوس الضعف والارتخاء والكسل.
ويشعر المسافر أن الشقة بينه وبين عالم ذلك العصر الذهبي أكثر اتساعاً من الشقة التي تفصل أبناء لندن عن زنوج أفريقيا. ولذا يجد من الصعب جداً أن يشرح لرفاقه مظاهر التقدم والحضارة شرحاً وافياً. ترى ماذا يستطيع زنجي نزل لندن وشاهد ابتكارات العلم فيها أن يصف لقومه إذا ما رغب التحدث عنها؟
ولا أحب أنا أن أطيل في الوصف الذي حدث به المسافر، فالإيجاز هنا يقلل من روعة الخيال وسموه؛ وأفضل أن يعود القارئ إلى الكتاب فيتمتع بالجو الذي يخلقه ويلز ويطلع على آرائه المبنية على الفكرة العميقة والنظر الثاقب؛ وتقدر هذه الآراء حق قدرها إذا علمنا أنه قدم اقتراح لأن يصبح ويلز (نبي العرش) كما أن هناك (شاعر العرش). وذلك لكثرة ما حدث ويلز عن مستقبل العوالم القادمة، ولكثرة ما أصاب في كثير من تنبؤاته.
وقبل أن ينتهي المسافر من قصته الشائقة التي تذكر برحلة (جعفر) في بلاد (ليليبت) يخاطب رفاقه بصوت هادئ رزين: (لا أتوقع أن تصدقوا كل أقوالي، غير أني أترك لكم أن تظنوا بي ما شئتم من الظنون. اعتبروها كذبة أو نبوءة، قولوا إنها حلم أو تأمل لمصير الإنسانية، وإنني عندما أحاول تأكيد صحتها إنما أفعل ذلك لأزيد في لذة القصة وجمالها؛ ولنفرض أنها رواية فماذا ترون فيها؟).
هذا ملخص موجز لكتاب آلة الوقت، وبودي أن أنبه إلى أن هذه الفكرة العلمية - الزمان بعد رابع - التي زين بها ويلز جيد روايته كانت قبساً مشعاً استنار به ناموس النسبية، ذلك الناموس الذي يعد بجدارة أقصى ما توصل إليه العقل البشري من الكمال في التحليل الرياضي الطبيعي. هل الزمن حقيقة بعد رابع؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في البحث القادم.