أجزائها وامتطيت صهوتها. وضعت يدي اليمنى على الزر الأول ويدي اليسرى على الزر الثاني، وكان في نيتي أن أقوم بالتجربة بنفسي وأتحقق من عمل اختراعي. بقيت غير قليل بين إقدام وإحجام حتى جمعت كل ما في نفسي من عزم، فضغطت الزر الأول، وما راعني إلا أن أرى الساعة تتقدم، كأن عقرب الساعات فيها هو عقرب الثواني، ورأيت أحدهم يتحرك كأنه عقاب الجو ينقض على فريسته. وعندما ضغطت الزر إلى نهايته، رأيت الشمس تسبح في الفضاء بسرعة غريبة. . . والليل والنهار يذهبان ويجيئان في لمحة خاطفة، وكان تتابعهما مما يؤذي عيني. . . ورأيت القمر يتحول بين عشية وضحاها من هلال إلى بدر إلى هلال. . . وهكذا وجدت أنني قد قذفت نفسي في أعماق المستقبل، ولم يخطر ببالي أن أضغط الزر الثاني لأعكس الحركة، فقد
شغل استكناه المجهول وكشف حجبه وهتك ستائره كل خاطري، ووددت أن أعرف التطورات الجديدة التي طرأت على الإنسانية، وأين وصلت هذه في تقدمها العجيب. إلا أنه في الوقت نفسه كان خاطر يزعجني، فربما أحاول إيقاف آلتي فلا تعنو لإرادتي وتستمر في سرعتها، أو أن تصطدم بمادة في الفضاء تتحطم عليها، وعندئذ نفلت أنا وهي من حدود الأبعاد ونلقى بكل عنف في أعماق المجهول، لذا قررت أن أقف في هذه المخاطرة عند حد، فأوقفت آلتي ونزلت أرضاً غريبة لم أتصورها يوماً حتى في أحلامي وأوهامي، ويخيل لي إلي أن التقاويم كانت لسنة (٨٠٢٧٠١) واخترت مكاناً هادئاً وضعت فيه آلتي وأخذت معي مفتاح الحركة وذهبت أتجول لأتعرف مناطق الحياة في هذا العالم الجديد).
يحدثنا ويلز بعدئذ على لسان بطله عن العالم في المستقبل فيرى أن الإنسانية لن تنتصر في التربية الخلقية والتعاون العلمي، وإنما تنتصر بعلم ناضج لا على الطبيعة فقط، بل على أخيها الإنسان أيضاً. في ذلك العالم الجديد تفرقة وتباين واسعان بين العامل وصاحب المال، فالمجتمع منقسم إلى فريقين: فريق يعيش فوق الأرض يمثل أرستقراطية متعجرفة وهو قد آثر الدعة واللين وعمت بين أفراده الاشتراكية فأمحت الفروق حتى بين الجنسين وأصبحت الأرض له حديقة غناء ملأى بالأزهار والرياحين، فليس ما يشغل باله سوى تبادل الحب والتنعم بطيبات المأكل واللعب الهادئ والاستحمام في الأنهار والتمتع بالنوم المريح؛ وفريق ثان يعيش تحت الأرض يدير أعمال الصناعة ويمد الإنسان الأعلى