مونتيه في كتابه عن أسباب جنون موبسان - واضطر الرجل إلى إجهاد ذهنه إجهاداً متواصلاً في سبيل تنفيذ مشروعه ونسج أقاصيصه التي خشي أن يأتي عليها الموت فتدفن معه في اللحد وهي أجِنَّة لم تولد. ولما أدركه الجنون المطبق صار يرى الناس أبطال قصصه الذين صنعهم خياله وصورهم يراعه. وأخذ يسيء إلى من رسمه بقلمه شريراً منهم، فاضطر ذووه إلى نقله إلى مصح للأمراض العقلية، ولكنه أعيد بعد مدة إلى باريس حيث قضى وهو في قمة المجد وأوج الصبا وأبعد الصيت. مات موبسان فأنكره قومه في مماته كما أنكروه في حياته، ولم ينتبهوا إلى فنه الرائع وعبقريته الفذة إلا في الأعوام الأخيرة حيث احتفلت فرنسة بتخليد ذكراه عام ١٩٢٥، وأقامت له في مسقط رأسه تمثالاً يليق بعبقريته ونبوغه
هذه صفحة موجزة من أدب الرجل الذي عاش ومات من أجل أدبه وفنه، والذي جعلت منه صديقاً لي وفياً. فهل ثمة من يلوم على إكباري لهذا الصديق الذي عانقته إلهة الفن وهدهدته، ثم سقته من كأس الخلود والبقاء، وجعلت منه كاتباً عبقرياً تباهي به القرون وتفخر به الأجيال