هذه قسوة موبسان المزعومة على الإنسانية، وهي قسوة - إن صحت عليها هذه التسمية - في موضعها؛ لأن الفن الصحيح الخالص البعيد عن الضعف الإنساني كثيراً ما يقضي بذلك
قلت: إن موبسان فيلسوف، وفلسفته لا تخلو من آراء طريفة فيما يتعلق بالمرأة، والحياة خاصة. أما رأيه في المرأة فهو قاس شديد القسوة؛ وهو يمت بأوثق صلة إلى رأي أبي العلاء المعري في العربية، ورأي (مارسيل بريفو) بالفرنسية. فكلاهما يقول مع موبسان بأن المرأة مخلوق غادر قلما يخلص أو يعف، وهي في نظرهم أداة فتنة وفساد. وليس للمرأة من شاغل - في نظر موبسان وبريفو - إلا إشباع رغباتها وميولها التي ليست سوى نار تتأجج ولهيب يستعر
المرأة. . . إن موبسان يحبها من كل قلبه، ولكنه لا يحبها زوجة وإنما يريدها خليلة؛ لأنه يندر وجود المرأة المخلصة في العالم؛ وما دامت كذلك فهي لا تصلح إلا لإشباع الشهوات
وأما الحياة فله فيها فلسفة خاصة. فهو يرى (أنها سخافة ومعاناة وآلام فقط، وليس فيها ما يشوق ويبهج)
ويغلب على ظننا أن هذا الرأي لم يأخذ به موبسان إلا في أواخر حياته، أي عندما تناوشته الأدواء وتكاثرت على جسمه العلل؛ فداخله اليأس والقنوط. لأنه كان قبل ذلك زير غوانٍ لا يرتوي، وكان مدمناً على الشراب والمخدرات، مقبلاً على الحياة، متمتعاً بكل لذائذها، غارقاً في مفاسدها. وهذه كلها أشياء (تشوق وتبهج) لا يأتيها من كان يائساً من الحياة محتقراً لها معرضاً عنها. ويلتقي موبسان ثانية مع المعري في رأيه في الحياة ولكن الأول يطعن فيها وهو مقبل عليها يتمتع بلذائذها، بينما الآخر يكره الحياة ويعيش بعيداً عنها وعن جميع لذائذها
وعلى أي حال فقد اشتد يأس كاتبنا من الحياة وزاد كرهه لها عندما تقلبت عليه الأمراض، وانتهت به إلى أسوأ عاقبة، وأعني بذلك الجنون. . . نعم، لقد جُنَّ في أواخر حياته وكان السبب في ذلك شدة إخلاصه لأدبه وفنه، واعتقاده بأنه ميت لا محالة، بينما كانت نفسه لا تزال تزخر بشتى الصور الفنية التي يود أن ينسجها أقاصيص رائعة الحسن موفورة الجمال. فكان لتنفيذ هذه الرغبة يعمل في يومه مدة ثماني عشرة ساعة - كما يقول روبير