على أن هناك مجالات أخرى قد يبدو فيها الاختلاط أمراً ضرورياً كالحفلات الخاصة وما شابهها. وخير الأمور في مثل هذه الأحوال هو أن يقتصر الاختلاط على الأهل والأقارب والأصهار ومن إليهم ممن توجد بينهم صلة قوية وثقة تامة؛ فحينئذ أظن أن خطر الاختلاط يبتعد كثيراً ويكاد ينعدم، وبخاصة إذا روعي الواجب حيال هذا الاختلاط من احتشام المرأة ومراعاتها له في حدود الوقار والحياء. وإني لا أفهم مطلقاً أي معنى لأن يدعو إنسان في بيته رجالاً ونساءً لا يعرف بعضهم بعضاً ويزعم لنفسه بأنه يقدم التعارف بينهم. فهذا النوع من الاختلاط هو الذي لا نقره مطلقاً. فمنه تقع الحوادث والكوارث. فإن المرأة بطبيعتها ضعيفة سريعة الانقياد؛ ثم إنه من الممكن أن يندس بين الرجال من ليس منهم من الجهة الخلقية الجديرة بالرجولة. فكثيراً ما تلقى وحوشاً إنسانية في زي الرجال. وفي وجود هؤلاء خطر شديد. فقد تلتقي المرأة برجل تتوسم فيه محاسن خاصة وفضائل ظاهرية قد تميزه على زوجها إن كانت متزوجة، أو توهمها بأن فيه المثل الذي تنشده إن لم تكن متزوجة، فإذا بها تنقاد له وتقع في شركه وتتمادى في علاقتها به؛ ثم تنكشف الحقيقة فجأة وتقع الكارثة كما هو معروف.
لقد قلنا إن الاختلاط ممكن في الحدود التي تستلزمها الطبيعة ولا تتنافى في شيء مع الدين والأخلاق، وهي حدود لا تعوق الحرية ولا تؤثر على التقدم والرقي؛ إنما هي حدود تكفي لأن يعيش الإنسان هادئاً مطمئناً سالكاً الطريق الذي خلق له. أما الاختلاط على الصورة الحاضرة فهو خطأ كل الخطأ، وإنما هو تقليد أعمى لا يجوز الأخذ به بتاتاً. وقد قال الفيلسوف إن لكل بلاد جوها وعاداتها وتقاليدها وموقعها الجغرافي مما يخلق لها ظروفاً خاصة قد لا تتناسب مع ظروف البلد الآخر. وهذه النظرية الصحيحة إذا طبقت في موضوعنا هذا نستطيع أن نصل بوساطتها إلى أن الاختلاط وإن أمكن توسيع نطاقه في أوربا (على أن أوربا هي الأخرى قد نالها منه ما نالها من شر وضر) قد يكون مقبولا إلى حد ما، لأن جو البلاد وطبيعة أهلها الباردة؛ ثم عاداتها وتقاليدها قد تجيز الاختلاط دون ضرر كبير. أما في الشرق حيث الجو حار وطبيعة السكان حارة أيضاً، سريعة التأثر والثوران، وحيث تقاليد الناس المتوارثة لا تجيز هذا الاختلاط؛ فإنه من الخطر حقاً أن ننقل اختلاط أوربا إلى مصر، فسيبقى الغرب غرباً وسيبقى الشرق شرقاً إلى نهاية الحياة