للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سلطان

وتمتاز تلك المدينة بموقعها الفريد على البوسفور، وامتدادها في شبه جزيرة على بحر مرمرة، وإشراف خليج القرن الذهبي عليها من الشمال. كما تمتاز بأسواقها التجارية التي تعد من أبدع أسواق العالم، وبمجموعة من المساجد الجميلة المبنية على طراز تركي أخذت عنه طائفة من مساجد القاهرة التركية كمسجد محمد على باشا

وأشهر تلك المساجد جامع (أبا صوفيا)، وقد كان كنيسة قبل الفتح العثماني، ولكن قرع النواقيس فيه انقلب إلى تسبيحات المؤذن، وتهليلات المكبر، معلنة اسم الله العظيم، يتجاوب في آفاق المدينة الساحرة التي طالما فتنت السلطان الفاتح وأخذت عليه تفكيره وخالطت أحلامه وخواطره؛ حتى تمت له الأمنية وتحققت الأحلام. ودخلها يوم الفتح - كما تقول الروايات التاريخية - حافي القدمين بادي الخشوع، شاكراً لله على ما وهب، مصلياً فيها أول صلاة للمغرب

وشاء الله بهذا الفتح أن تصبح المدينة عاصمة الإسلام، وإذا بالأباطرة العظام يستبدلون بخلفاء أعظم وسلاطين أمنع دولة وأعز صولة. ثم يخاف العلماء والحكماء فيها على مصائرهم ويشفقون على أنفسهم، ولا يؤمنون المقام تحت ظل الأتراك وفي كنف الحكم الجديد، فيفرون ويهجرون المدينة المسلمة والعاصمة المسلمة ويحملون معهم تعاليم اليونان وثقافة الرومان وينشرونها في أوربا فتكون طلائع النهضة المباركة والحركة الجديدة التي تعرف في التاريخ باسم

وفي القرن الثامن الميلادي ظهرت في الشرق العربي المسلم مدينة جديدة ليست في مضارب الصحراء ومجاهل البيداء كمكة والمدينة ولكنها في الشام حيث كانت حضارة الفينيقيين تزدحم وتتكاثر على الشاطئ الشرقي لبحر الروم (البحر الأبيض المتوسط). تلك المدينة هي (دمشق) حاضرة الدولة الأموية، ومقر الخلافة الإسلامية، ومركز القيادة التي تفرعت منه الحملات وانسابت منه المغازي إلى أقطار بعيدة، وجهات سحيقة لتوسيع رقعة المملكة الإسلامية

ودمشق قبل الإسلام قديمة قدم الدهر، ترجع إلى أيام إبراهيم عليه السلام. فلما دخلها الإسلام غير من حالها وبدل من أمورها. ولما انتقلت إليها الخلافة الأموية، أصبح لها

<<  <  ج:
ص:  >  >>