للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشأن والمركز والمحل والموضع يفد إليها الشعراء على الخلفاء طلباً للعطاء فيقول جرير

فإني قد رأيت عليّ فرضاً ... زيارتي الخليفة وامتداحي

ويعلل زوجته (أم حزرة) بالغنى بعد رحلته إلى دمشق ووفوده على الخليفة بقوله:

سأمتاح البحور فجنبيني ... أداة اللوم وانتظري امتياحي

وكان معاوية أول خلفاء بني أمية يسكن غوطة دمشق، وهي - كما يقول جغرافيو العرب - إحدى نزه الدنيا ومعاوية - على ما زعم الرحالة اليعقوبي - أول من بنى وشيد البناء، وسخر الناس في بناءه

وكانت أغلب بيوت دمشق في أول الفتح تبنى من المدر: أي اللبن والطين؛ ولكنهم عادوا فبنوها بالحجر لما روى أن عمر أبن الخطاب نهى أصحابه بدمشق عن استعمال اللبن في البناء. وكان للسابقين من الصحابة في دمشق قصور كثيرة، أو دور عامرة منتشرة في أنحائها كدار خالد بن الوليد، ودار أبي عبيدة عامر بن الجراح، ودار العباس بن مرداس. ودار عمرو بن العاص وغيرهم؛ وبنيت كذلك مساجد ملحقة بالبيوت يتجاوب فوق مآذنها التكبير باسم الله الكبير

وأنا لندرك من الأبيات التي قالتها ميسون زوج معاوية الفرق بين بيوت البادية ودور الحضر. فقد أبت هذه السيدة أن تعيش في قصر معاوية العظيم أو (المنيف) على حد تعبيرها، ورضيت أن تسكن في كوخ صغير أو بيت من الشعر في البادية. وقالت في ذلك أبياتاً معروفة منها:

لبيت تخفق الأرياح فيه ... أحب إلي من قصر منيف

وكانت دار معاوية بدمشق تسمى الخضراء لقبّة خضراء نصبت عليها. بناها بالمدر أولاً فسخر منها جماعة من الروم فأعاد بناءها بالحجر. ومن عجائب الأقدار أن تصبح هذه الدار اليوم في حي من أحقر أحياء المدينة، وهو حي مصيفة الخضراء

وللأستاذ العالم الجليل عيسى اسكندر المعلوف كتاب كبير مخطوط أسمه (حضارة دمشق وآثارها) ذكر فيه فصلاً عن دور الخلفاء الأمويين في دمشق، ونشرت خلاصة هذا الفصل في مجلة (دمشق) الأدبية العلمية التي يحررها جماعة من أهل الفضل والعلم في القطر الشقيق (جزء خامس. سنة ثانية. عدد شهر أيار سنة ١٩٤١

<<  <  ج:
ص:  >  >>