للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العجالة. فأكِلْ إلى الزملاء العارفين قدره توفيته، وعند الله حسن جزائه في جنات الخلد جزاء الصديقين والشهداء والصالحين

السيد إبراهيم سالم

بطن الشاعر. . .

(بطن الشاعر) هذه كلمة أشبه بالألغاز والأحاجي، ظلت أستوضحها - بيني وبين نفسي - وأستلهم الله تفسيرها، فلم أجد ما يشفي الغلة، اللهم إلا ما يتخبط فيه الفكر ويتعثر معه الخيال. . .

وربما قلت - في بعض الأحايين - إذا أردت التاريخ لها أنها ظهرت يوم كانت الفلسفة مبغضة محاربة. فلما خاف الفتى من الفلاسفة أن يموت من عثرة لسانه، أغمض وأغرب، وعمَّى وألغز، وأغلق وأبهم، لِيَنْجُوَ بجلده، ويخلصَ نفسه إن اشتد عليه النكير، أو تجهّمت له أعين الجلاّد. وأغلب الظن أن هذه الكلمة يوم (ماتت) لم تشأ إلا أن تترك لها ذَنباً يلعب فيما يسمى بغرابة اللفظ وغموض المعنى. وقد كان المتنبي يلذ له أن ينام ملء جفونه عن أوابد شعره، في الوقت الذي يسهر معاصروه في شرحه، ويختصمون في بيان منزلته.

وهكذا يحكي عن بعض المؤلفين القدامى، أصحاب الشروح والحواشي والتقارير. . . فقد كان الواحد منهم يروقه أن يتخبط الناس في كلامه، ويقبلوه على وجوهه المختلفة، ويزيدوا على عبارته، أو ينقصوا منها، ليستقيم المعنى ويظهر المراد، فإن لم تتطاحن فيه الأفهام، وتختلف العقول، وتتضارب الآراء، فهو كتاب ميت، أو مؤلف لا قيمة له. . .

وكان أخوف ما يخافه الإمام الشيخ (محمد عبده) أن يتصَّدى أحد بالكتابة على مؤلفاته، نراه يستعيذ بالله من هذا ويتبرأ منه، وقد حدا به إلى ذلك أنه رأى الكتب - في عهده - لا ترمي إلى المعنى الخالص، والبيان الصراح، ولكنها تتلوى وتتخبط، وترمي إلى التعقيد والإبهام. . . وربما كان فينا من أدرك هذا - في الأزهر - حين كان الأستاذ أو التلميذ في الدرس، يمر بالعبارة من العلم، أو الجملة من الكتاب، فإذا رأى أنه مر بها مرور الكرام، وعبرها عبوراً سهلاً، اتهم فهمه، وأساء الظن بعقله، واستكبر على نفسه أن يعلق المعنى بخاطره - عفواً - دون تكلف أو معاناة، فعاد يرجع الضمير إلى مرجع آخر، أو يورد

<<  <  ج:
ص:  >  >>