للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نزولاً على مبدأ المعاملة بالمثل (وجزاء سيئة سيئة مثلها)

٣ - ولا يجوز الإجهاز على الجرحى ولا التحريق بالنار

وفي وصايا صلى الله عليه وسلم لأحد قواده: (لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيراً هرماً، ولا تقطع شجراً مثمراً، ولا تخرب عامراً، ولا تعقرن شاة إلا لمأكله، ولا تفرقن نخلاً ولا تحرقه (وإن النار لا يعذب بها إلا الله)

ومن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقتلوا الذرية في الحرب. فقالوا: يا رسول الله: أليسوا أولاد المشركين؟ فقال: أو ليس خياركم أولاد المشركين؟)

٤ - ويقرر الإسلام - تمشياً مع مبدئه من محاربة غير المحاربين من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والمدنيين - أنه لا يجوز تجويع الأمة المحاربة ولا منع المواد الضرورية للحياة عنها، وإن كان يبيح ذلك بالنسبة للجيش المحارب

٥ - ومن نظم الإسلام في أثناء الحرب الدالة على السماحة انه يبيح لأفراد وجماعات من الدولة أن تتصل بالمسلمين وتدخل في ديارهم، وتقيم فيها بعض الزمن وتزاول بها أنواعاً من المعاملات التجارية وغيرها في عصمة شيء يعرف في التشريح الإسلامي باسم الأمان

ويقرر به عصمة المستأمنين، ويوجب على المسلمين حمايتهم في أنفسهم وفي أموالهم ما داموا في ديار الإسلام. بل يذهب في التسهيل عليهم إلى حد بعيد: ذلك أنه يمنحهم أنواعاً من الامتيازات، ويعفيهم من بعض ما ينفذه على المسلمين من أحكام، ولا يؤاخذهم إلا على الجرائم التي تهدد أمن الدولة وسلامتها، أو يكون فيها اعتداء على المسلمين ومن في حكمهم

وقد توسع الإسلام في هذا الباب توسعاً عظيما: فجعل لأفراد المسلمين حق إعطاء ذلك الأمان يسعى بذمتهم أدناهم، ولم يشترط في ذلك إلا ما يضمن على المسلمين سلامتهم كالتأكد من أنه ليس للمستأمنين قوة ولا متعة، ولا يبدو عليهم مظاهر الركون إلى الفتنة أو التجسس على المسلمين. وليس معنى هذا أن الإسلام ينسى حق الإمام المهيمن على شئون المسلمين، بل جعل له بمقتضى هيمنته العامة وتقديره لوجود المصلحة إبطال أي آمان لم يصادف محله، أو لم يستوف شروطه، كما له أن يقيد آمان الأفراد ويمنع إقدامهم عليه

والأصل في هذا المبدأ الذي فيه روح السماحة على نحو لا يعرف له مثال حتى في الأمم المتحضرة الآن قوله تعالى:

<<  <  ج:
ص:  >  >>