للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من قلمي، القلم الذي تمرد على صاحب (البلاغ) ليظفر بمودة صاحب (البلاغ) وكان الصدق أعظم وسيلة لغزو ذلك القلب الأمين

لن ينقضي خزني لفراق عبد القادر، ولن أنسى جميلة أبداً

ولو أن قلمي استطاع الاستشهاد بجميع ما قال الشعراء في الرثاء، لما كان في ذلك ما يصور فجيعتي في (الصديق الذي وصل جناحي، وراش سهى) على حد التعبير الذي قدمت به إليه كتاب (ذكريات باريس)

صحبت عبد القادر نحو خمسة عشر عاماً، فلم أره إلا جذوةً من الأقباس الروحية. ولو أني قضيت هذه المدة مع عدو لتحول إلى صديق، فكيف تروننا صرنا - وقد قضينا هذه المدة في إخاء وصفاء؟ كيف تروننا صرنا وقد كان التعاون الصادق أساساً لما بيني من وداد؟

كان عبد القادر في أعوامه الخيرة يعتب على أشد العتب، لأني لا أمر بداره للسؤال عنه وهو مريض، وكنت اعرف كيف أٌعتِبُه فأقول: سألت عنك في (البلاغ)، وأنا لا اعرف لك داراً غير دار (البلاغ)

فمن يعزّ بني وقد ضاع حظي في عيادة ذلك العليل النبيل؟

من يعزيني ولم اسمع بموت عبد القادر إلا بعد أن فضَّ مأتمه فلم اشترك في حمل نعشه ولم أٌقبّل أن يوارَى التراب؟

من يعزيني في أخٍ كان لي وكنت له عوناً على الشدائد والخطوب؟

التفتٌّ مرة، فلم أر غيره في سنة ١٩٢٨؛ والتفتَ مرة، فلم ير غيري في سنة ١٩٣١، فإلي من التفتُ إذا دجت الخطوب وبيني وبين عبد القادرُ بعدُ ما بين الأحياء والأموات؟!

مات عبد القادر، مات أخي، فمن يعزيني؟

مات الرجل الذي لا يكذب ولا يغدر ولا يخون

مات الرجل الذي شهد خصومه بأن موته كان نكبة وطنية مات عبد القادر، مات أخي، فمن يعزيني؟

لو كان شق الجيوب من شمائل هذا العصر لشققت جيوبي، فلم يبق إلا أن اشق قلبي حزناً على عبد القادر، وإنه بذلك لخليق. وهل من الكثير أن يصر عني الحزن وقد فقدت صديقاً كان أعظم الذخائر في دنياي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>