كتاب الروضتين، في صفحة ١٨٣ من طبعة باريس:(وكان فيهم مائة كند، وثمانمائة من الخيالة المعروفين وملك عكاء، والدوك، (وهو يريد به يومئذ دوك النمسة)، واللوكات، نائب الباب، ومن الرّجالة ما لا يحصى) آه. أما دوك البندقية، المسمى عند الإفرنج دوج فسماه العرب (دوك) أو (دوج)؛ كما فرق الإفرنج بين الواحد والاخر، مخصصين (الدوج)، بمن يكون للبندقية، إلا أن القلقشندي كتب الدوج بالكاف وصرح بأنها بالجيم كجيم الفرنسية المعروفة بالكاف المشوبة بالجيم، أو الكاف المعقودة، أو الجيم المعقودة. وهذه عبارته (صبح الأعشى ٥: ٤٨٥): (كل ملك منهم (من ملوك البندقية) يسمونه دوك، بالكاف المشوبة بالجيم، فيقال (دوك البندقية)، وهذا اللقب جارٍ على ملوكهم إلى آخر الوقت) آه.
فانظر - حرسك الله - إلى كم صورة من الصور انتقلت كلمة اللاتينية، فإنها بَدَتْ لك بأثواب مختلفة؛ منها: دُقس، ودَوْقس. ودُقوس. وقَدُوس. ودَعُوس. وعَطُوس. ودوق. ودوك. ودوج. ولعل ثم غيرها ونحن نجهلها إذ رأينا بعض المعربين عن الإنكليزية في عهدنا هذا يقولون (ديوك)، و (ديوق) لأن الإنكليز ينطقون بها كذلك. فهذه إذاً إحدى عشرة لغة، فتدبر!
على أن أبناء مُضر، لو كانوا واقفين على كلام من تقدمهم من اللغويين البصراء، لما احتاجوا إلى كل ذلك، لأن عربيتها الصحيحة والقديمة هي - ما عدى (الثنيان) - (الدِّحيَة) بكسر الأول وأصلها (دحي)، فعل بمعنى فاعل وفي الآخر تاء المبالغة وهو من دحي الإبل وغيرها أي ساقها. وهب تشبه في نجارها الكلمة المشتقة من بمعنى ساق، فالحرف والحرف وإن كان في مواطن أخر= (ق) أو (ك)؛ إنما هنا=ح. كما قالوا في حْيفا وفي حران أو وفي حرْتك (أي صغير) وفي حليم إلى نظائرها. ولا يعلم هل (دحي) أو (دحا) سبقت اللاتينية، أم الرومية سبقت الضادية. وفعل هنا بمعنى فاعل: كندّ وتبْع؛ وخلف بمعنى نادّ وتابع وخالف.
إما أن الداحية هو بمعنى الدوق اللاتينية فواضح من كلام الشارح. قال في تركيب (د. ح. ي): الدحية بالكسر: رئيس الجند ومقدمهم، أو الرئيس مطلقاً في لغة اليمن (كذا) كما في الروض للسهيلي. وقال أبو عمرو: اصل هذه الكلمة السيد بالفارسية (كذا)، وكأنه من دحا يدحوه: إذا بسطه ومهده لأن الرئيس له البسط والتمهيد. وقلب الواو فيه ياءً نضير قلبها في