قوله تعالى:(وأحسن بي إذ أخرجني من السجن). فالفعل (أحسن) لا يتعدى بالباء، فضَّمن معنى (لطف)؛ (٢) وإما بأن الحرف الذي تعّدى به العامل قد استعير لمعنى الحرف الذي كان ينبغي أن يتعدى به - استعارة تبعية - وذلك كقول طرفة:
وإن يلتق الحي الجميع تُلاقني ... إلى ذروة البيت الكريم المصَّمد
فقد استعيرت (إلى) لمعنى (في)، إذ أن (تلاقني) لا يتعدى بالي؛ (٣) وإما بالشذوذ، إن لم يأت التضمين في العامل بشروطه أو الاستعارة في الحرف بشروطها. فليرجع القارئ إلى هذه الشروط في كتب البلاغة إن شاء
فأنت قد رأيت أنه لا نيابة لحرف أنه عن حرف عند البصريين، فليس للحرف معنى وضعي عندهم إلا معنى واحد
وللتضمين قياسي على المختار من أقوال العلماء وعلى ما قرره (مجمع فؤاد الأول للغة العربية) - وكذا الاستعارة في الحرف. فلنا إذا أن نترخص فيهما، وأن نراعي منهما في كلامنا من نظم أو نثر ما نشاء
وأما الكوفيون فيقولون: إن بعض حروف الجر ينوب عن بعض بطريق الوضع: أي إن الحرف موضوع لأكثر من معنى واحد، فهو مشترك وضعاً بين جميع ما ورد له من المعاني؛ فبعضها يكثر استعماله، وبعضها يقل. . فيوهم وضع ذي المعنى القليل الاستعمال موضع الكثير أن هناك معنيين اشتمل عليهما العامل: فلا تجوز عندهم في الحرف. وإنما هي نيابة محضة
وهاك مثالاً موضحاً: فقد عدّ ابن هشام للباء أربعة عشر معنى، منها الاستعلاء، قال:(نحو: (منْ إن تأمَنْه بِقنطار)، بدليل:(هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل.))
فالعرب - على رأي الكوفيين - قد وضعوا (على) والباء لمعنى الاستعلاء. غير أنه في (على) أكثر دوراناً منه في الباء.
فاعتبرت (على) أصلاً في هذا المعنى، واعتبرت الباء نائبة عنها، وإن كانت أصيلة فيه. فتأمنه بقنطار، أي عليه.
ولكن من يتتبع الكتب التي توسعت في الكلام على (نيابة بعض حروف الجر عن بعض)، - ولا سيما المغني - يجد فيها عراكاً عنيفاً حول الشواهد التي جئ بها لذلك؛ فهو بين آخذ