ورد، وجذب ودفع. فهذا يسلم بنيابة الحرف في مثال، وهذا يتأوله فيخرجه عنها بضروب من الحجاج والفلسفة النحوية. فسقطت بذلك في هذا المعترك طائفة ليست بالقليلة من الشواهد، كانت - لو أنها ظلت سالمة - تكون قوة لقياسية هذا الباب.
ولو أني أنشأت أضرب الأمثلة لذلك من هذه الكتب، لخرجت عما أنا بسبيله. ومن طريف مما يقال هنا أن سيبويه لم يعترف للباء إلا بمعنى واحد هو الإلصاق، وخرَّج عليه كل ما عدَّدوه من المعاني. وقال ابن عصفور: لو صحْ مجيء (إلى) بمعنى (في) لجاز: زيد إلى الكوفة
فأنت ترى كيف ضاقت بذلك دائرة النيابة في حروف الجر حتى كانت من النوادر. وقد عبر ابن هشام عن هذا المعنى في (مغني اللبيب)، في باب (التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين، والصواب خلافها). قال:(منها) قولهم: ينوب بعض حروف الجر عن بعض؛ وهذا أيضاً مما يتداولونه ويستدلون به. وتصحيحه بإدخال (قد) على قولهم: (ينوب). وحينئذ فيتعذر استدلالهم به؛ إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك، يقال لهم فيه: لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة. ولو صح قولهم لجاز أن يقال: مررت في زيد، ودخلت من عمرو، وكتبت إلى القلم
فنيابة حرف من حروف الجر عن آخر عند الكوفيين ليست معبدة السبل، كما قد يُظَنَّ بادئ الرأي فإنه؛ يجب لقياسيتها ألا تَنْبو عن الذوق العربي وأساليبه في التعبير، وأن يكون الحرف النائب قد جاء بمعنى الحرف المنوب عنه وضعاً كما قد فهمت مما مر بك.
والآن فلنعد إلى بيت الأستاذ الذي كان مبعث هذا النقاش وقد رأيت أنه أجاب عن اعتراض على تعدية (يتفيئوا) باللام بأنه ليس خطأ. . . الخ. ويظهر انه اعتبر اللام نائبة عن الباء ولم أر فيما لديَّ من المراجع أن اللام تنوب عن الباء ولكنهم قالوا بنيابتها عن (في) كما في قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة)، وكقوله:(لا يجلبها لوقتها إلا هو) وكما في قولهم: (مضى لسبيله)
فعلى اعتبار أن اللام في البيت نائب عن (في) لم يخطئ الأستاذ في تعبيره مهتدياً بسليقته السليمة، وإن لم يَقصد هذه النيابة عند إنشاء البيت
هذا ما أمكن إيجازه من هذا الموضوع الذي ارجوا أن أكون قد وفقت للكشف عن وجه