ويجمعها كذلك قول النبي (ص): (تخيروا لنُطفكم فإن العِرق دساس) فهذه حكمته البالغة في نصيحة الزوجين والأولياء في حسن الاختيار قبل التوثيق والارتباط - وعلى المرء أن يسعى إلى الخير جهده - غير أن الناس في شأن الخطبة على أمور متناقضة؛ أكثرهم بأهل الجاهلية أشبه، وقليل منهم الراشدون؛ ففريق يتوسعون إلى الاختلاط، والخلوة، وما يدنو من هذين أو يعظم، ثم قد تكون النتيجة إفلات الأمل من أيديهم من حيث بالغوا في الحرص عليه، فلا يبقى لهم سوى الندم على ما فرطوا والخزي اللاصق بهم مما جنوا ما عاشوا.
وفريق يتحجر رأيهم وتجمد عقولهم فلا يمكنون الخاطب والمخطوبة من حقهما المشروع، وقد يتم الأمر ويكون أحد العشيرين على غير ما يرضى صاحبه، فتكون الحياة بينهما شقاء لا نعرف له نهاية، وسجناً لا يدريان له غاية
وفريق ثالث يسوقون الفتاة سوقاً إلى شخص ماجن أو رجل متهدم البنية يخطو إلى مقره الأخير، فيبدون لها من المحاسن ما ترجو هي بعضه، ولا يكون الأمر كذلك، وإنما هي رغبتهم في ماله، أو طمعهم في جاهه؛ وهذا نوع فاحش من التضليل، وشر لون من ألوان الغش؛ والنبي (ص) يقول: (من غشنا فليس منا)
فحسب هؤلاء أن النبي أبعدهم عن الإسلام، وإن الإسلام منهم بريء
أدب العشرة بين الزوجين
ما كان الإسلام ليُغفل علاقة الزوجين أن يدعمها ويدرأ عنها عوادي الخلف والجفوة، بعد أن دعاهما إلى الانضمام وهيأ لكل منهما سبيل اختيار صاحبه للمرافقة الدائمة في اجتياز هذه الحياة
بل وضع الإسلام منهاجاً مزدوجاً من أدب العشرة، وحتم على كل منهما أن يأخذ بالجانب الذي يتصل به من هذا المنهاج نحو صاحبه
وبعد أن حمّلهما الإسلام تلك الأمانة، أهاب بهما - مع مَن أهاب به من كل طرفين بينهما صلة - أن يرعاياها حق رعايتها؛ فهو يقف بهما أمام الحديث المقدس:(أنا ثالث الشريكين إذا لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه نزعت البركة من بينهما)
وعلى ضوء هذا الحديث تكون الحياة الزوجية لكل منهما طيبة مريئة، وتكون الشركة بينهما مثمرة مباركة، وإلا كانت صلتهما في الدنيا هماَّ ناصباً، وشقاء متعباً؛ ثم هي في