فإنك قادر مدى الجهود التي كان يحرص على بذلها وهو يترجم، وكاشف سر القوة التي جعلت منه مترجماً لا يجارَى ولا يقلد!
وهذا الرأي - رأيه في الترجمة - مثبت في أحد فصول المجلد الثاني الذي كان يشتغل بطبعه في الشهور الأخيرة وقضى قبل أن يفرغ منه، وشفيعي في إثبات هذا الرأي أو استعارته من كتاب تحت الطبع بغير إذن من أبناء الفقيد، ثقتي بأن هؤلاء الأبناء لا يغلَبون (شكلية) كهذه على وفاء أريد أداءه لتاريخ الفقيد الأديب، ولتاريخ الأدب في ذاته، وشعوري بأن روح الفقيد راضية في عليائها عن صنيعي هذا
رأيه في الترجمة
عرض الفقيد في أحد فصول كتابه للأدب في مصر القديمة فأثبت وجوده وأثبت له الجودة، ثم أسف على (أن المثقفين منا يعرفون إلى جانب الأدب العربي: الأدب الإنجليزي، والأدب الفرنسي، والأدب الألماني، والأدب الإيطالي، ومنا من يعرفون حتى الأدب الفارسي، وحتى الأدب اليوناني القديم؛ ولكننا لم نُعن إلى الآن بمعرفة أدبنا المصري القديم)
وبعد أن دلل على ضرورة هذا الأدب لنا قال:
(ولا يطمع القراء في أن أنقل إليهم ما أنقله من هذا الأدب في بلاغته الأصلية، فإن المترجمين يعرفون أن شعر شكسبير الإنجليزي، أو راسين الفرنسي، أو جيته الألماني، تُفقدَه الترجمة كثيراً من بلاغته؛ ومثل ذلك شعر امرئ القيس أو أي شعر عربي آخر إذا نقل إلى لغة أوروبية؛ وهذا لأن الشعر أو النثر الفني الذي يسمى أدباً يتكونان من عنصرين: أحدهما الفكرة، والثاني الصياغة؛ واجتماع هذين العنصرين هو الذي يبعث في النفس أثراً خاصاً وموسيقى خاصة، والترجمة تنقل الفكرة ولا تنقل الصياغة، فكأنها تنقل الهيكل العظمي دون اللحم والدم. وهذا يقال في أدب عصري، أو في أدب لم يمض عليه غير بضع مئات من السنين؛ أما الأدب الذي مضت عليه خمسة آلاف سنة، أو ثلاثة آلاف على الأقل، فيجب أن يقال فيه إلى جانب ذلك إنه ابن بيئة تختلف عن البيئات التي يعرفها العالم الآن، وقد وجد في ظل عقلية واعتقادات وتقاليد وعادات لم يبق لها وجود وقل من يعرفها ومن المسلم به أن الأدب يكتسب كثيراً من العقلية والاعتقادات والتقاليد والعادات