واللاحقة لهذا العهد وكنت فيها جميعاً على صلة طيبة بالراحل الكريم. . .
وقد بعثتني هذه الصلة العزيزة إلى رثائه شعراً على صفحات البلاغ وأنا في سرير المريض ممنوع من الجهد والتفكير؛ إلا أن ذكر حقوق الراحلين لا يجوز أن يحملها على غمط حقوق الأحياء وطمسها أمام التاريخ، فالظلم ظلم للموتى وللأحياء سواء. . .
يقول الأستاذ الشرقاوي في موضع من كلمته القيمة:(ذلك الصراع الذي قام به عبد القادر حمزة وحده مواجهاً به ومتحدياً أقوى حكومة. . .). ثم يقول في موضع آخر:(ولكن عبد القادر حمزة ظل يكافح في كل يوم وحده حتى نخر الجبل الشامخ الراسخ. . .)
وكلمة (وحده) هي الكلمة التي تجاوزت حد الحق، فالراحل الكريم قد صنع في هذا الكفاح الذي يشير إليه الأستاذ ما يصنع أصحاب الرأي الأبطال، وقد كلل جهاده بنجاح سيخلده تاريخ مصر السياسي وتاريخ الرأي والعقيدة؛ ولكن يجب أن نذكر أن هناك قلماً آخر صنع الأعاجيب في هذا النضال وعلى صفحات البلاغ أيضاً وفي نفس هذه الأيام ذلك هو قلم العقاد الجبار
بل لقد كان ذلك القلم هو أول قلم حمله صاحبه في وجه (ديكتاتورية الرأي) قبل أن يأخذ البلاغ موقفه في جانب المعارضة الصريحة أيام وزارة نسيم باشا، وفي وقت لم يكن أحد - غير العقاد - يجرؤ على اتخاذ هذا الموقف المخيف في جريدة روز اليوسف اليومية.
أما اجتماع القلمين على صفحات البلاغ بعد هذا بعام فقد وضع النهاية التي انتهت إليها المأساة. ولست أدري: أن كنت اليوم بعد انقضاء هذه الأيام بخيرها وشرها في حل من نشر شيء من أسباب التمهيد لاجتماعهما لم يعلم به كلاهما
كان العقاد قد ترك البلاغ وفي نفسه شيء زادته حوادث وقعت بعد خروجه، كما جعلت شيئاً في نفس صاحب البلاغ.
وكنت أرى أن المعارضة لا تجتمع لها قوتها كاملة حتى يجتمع هذان القلمان في ميدان: هذا قلم يحطم ويزلزل كالصواعق والأعاصير، وذلك يجادل ويحاور ويجمع الحجج الدامغة والأسانيد المفحمة ويسدد الضربة في الصميم.
وفي يوم كنت عند العقاد فقلت:. . . (ولم لا ترجع الآن إلى البلاغ؟) قال بكبريائه الشامخة المعهودة: (وهل أنا الذي تُطلب مني العودة؟) قلت: (إن صلتي بصاحب البلاغ تسمح لي