كان العرب يؤرخون بواقعة الفيل، قبل أن يؤرَخوا بهجرة الرسول، فكيف كانوا يؤرخون قبل هلاك أصحاب الفيل؟
أرَّخ الدميري هجوم أبرهة على الكعبة بأنه كان في أول المحرم سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين
فهل يتفضل أحد كتاب (الرسالة) بتحقيق هذا التاريخ؟
المعروف جيداً أن العرب قبل الإسلام قد اختلفوا في التوقيت، وذلك يشهد بتأثرهم للحركة العلمية عند المصريين والكلدانيين، فهل يمكن الوصول إلى معرفة ما كانوا عليه في التأريخ قبل أن ترج أذهانهم واقعة الفيل؟
والمعروف أيضاً أن العرب قبل الإسلام كانت لهم صلات قوية أو ضعيفة بأمم ذلك العهد، وجرتهم تلك الصلات إلى وقائع لا تمر بدون ضجيج تتناقله الأجيال، وإن مرت بدون تدوين يحدد مواقعها من التأريخ
على أنه ليس من المستغرب أن يكون العرب أرَّخوا بموت ذي القرنين، فقد كان له في أذهانهم صورة صخَّابة ضجَّاجة، ولولا ذلك لسكت عنه القرآن، لأن القرآن لم يذكر من حوادث التاريخ إلا ما كان له في أذهان العرب وجود برَّاق، ليتم الغرض من الاعتبار المنشود.
أساطير الأولين
و (أساطير الأولين) كلمة قرآنية يحكمها القرآن عن العرب الذين يطيب لهم أن يشككوا فيما رواه من أخبار القدماء
وهذه الكلمة تشهد بأن جمهور العرب في تلك الأيام كان يملك ملامح من صور النقد الأدبي، فقد كانوا بشهادة القرآن يقسمون الأخبار إلى قسمين: صحيح ومدخول، وكان من سياستهم في مقاومة الدعوة الإسلامية أن يضيفوا أخبار القرآن إلى القسم المدخول فيجعلوها من أساطير الأولين. وما صدَق من عاندوا القرآن، ولكن إصرارهم على مقاومته بهذا الأسلوب يشهد بما كانوا عليه من مكر ودهاء، وهما من صور الذكاء