الأمر، فلا يرمي إلا عن قوس عقيدة راسخة، والرجل الصادق في تأمله من كان الإيمان أعلق بقلبه من الشك، والطفرة آثر عنده من التردد، والحقيقة أشهى إليه من الظواهر الكواذب، والمغالبة في سبيل الحق آنس له من الاستكانة في أرض الهجود!
- هذا حق يا ولدي، فإن التأمل فن للفنون، تترعرع في ظلاله كل فنون الحياة من سرور وحزن وحب وتقدير، وهل يجيء السرور إلا بعد الشعور باللذة والنشوة التي يكتشفها الإحساس بعد قليل من التأمل في نتائج العمل الذي نشعر نحوه بالسرور؟ وفن الحزن أيضاً. فنحن لا نشعر بالحزن والألم من شيء إلا بعد التأمل في مداه وسبر غوره وما يخلفه من أثر، ثم ما هو أكثر من ذلك. فنحن قد نستمر في الحزن ونسايره ولو ذهب المؤثر، لأننا نتأمل ونطيل التأمل؛ وفن التقدير والاعتراف بالفضل، لا شك أن التأمل أساسهما إذ كيف نحكم على شيء بالجودة إذا لم نتأمله! وفن الحب، وهل هناك حب لم يلهبه التأمل؟ إن الإنسان في حبه يتأمل بكل حواسه، بعينه وشعوره وقلبه
- قد بينت يا بني خطر التأمل، فهل نسيت أن التأمل كأساس للحياة بتأثر بالميول والعواطف كالحب والكراهية والطمع والغيرة، تلك العواطف العمياء الضاربة في الضلال
- ماذا أسمع؟ كيف يكون الحب رائد ضلال؟ كيف يكون أيها الوالد الكريم، وهو العاطفة الروحية السماوية التي تربط الإنسان بخالقه، والتي تولد مع الوليد فيميل إلى والده وأقاربه بطبيعة الحب الروحي فيه، والتي نلمسها في الحيوان قوية واضحة، وهو الذي لا يدرك ولا يفكر تفكيراً يصح أن ينطبق عليه حقيقة التفكير بكل معانيه. وكيف تكون الروح عمياء! إننا إذا نظرنا إلى حيوانين من فصيلتين مختلفتين، ورأينا
كان على يوسف يدعو لرأي سياسي؛ وكذلك كان عبد القادر حمزة، فعمدا كلاهما إلى أن يصلا إلى قلوب الجماهير في يُسر لا تكلف فيه، فتوخيا سهولة العبارة، وجانبا النابي من الألفاظ، والمستصعب من التراكيب، كما جانبا الزخرف والتعمل والتفصح، فجاء الأسلوبان من السهل الممتنع حقاً.
على أن الرجلين نبتا في عصرين مختلفين كل الاختلاف: فلم تكن الكتابة - كما أشرنا آنفاً - قد نهضت بعد في عصر علي يوسف، بل كانت تحبو إلى النهوض. فليس غريباً إذاً ألا تخلو مقالاته - على ما فيها من حياة وقوة - من زلاًت لغوية وتركيبية، وأن يتداخلها