حتى يظل نظره موجهاً إلى صورة موضوعة على طاولة، ومسندة إلى شمعدان، فأتاح هذا الوضع للجراح بكتل أن يتم معجزته. فلو تغير الوضع وكان انحناء الرأس إلى الخلف، لتمددت الأوعية العنقية وتم الانتحار على خير ما يرام، ولفقد الجراح بكتل لذة تنفيذ أعجوبته
ومضى سمبر ايدم طول مدة عودته إلى الحياة في المستشفى دون أن ينبس بكلمة؛ حتى ضابط البوليس لم يظفر من شفتيه بأية معلومات أو تفاصيل. ولم يعثر على إنسان واحد عرفه أو تحدث إليه؛ فقد كان ظاهرة غريبة شاذة. دلت ملابسه على أنه من أحط طبقات العمال، ولكن يديه دلتا على يدي رجل مهذب. وفحصت ملابسه قطعة قطعة فلم يعثروا فيها على ورقة واحدة أو دليل واحد يدل على ماضيه أو مركزه الاجتماعي، فلم يكن لديهم إلا الصورة الفوتغرافية
أما المرأة التي كانت تنظر من خلال الصورة فكانت بديعة صافية الجمال تلتقي عيناها بعيني المحدق فيها. وعبثاً بحث المخبرون السريون عن اسم مصورها؛ فقد كانت من تصوير أحد الهواة. وفي أحد الزوايا ظهر خط نسائي دقيق كتب (سمبر ايدم، سمبر الأمين) باللاتينية؛ وكما يذكر كثيرون كان وجهها من الوجوه التي لا ينساها الإنسان أبداً. نشرت صورتها في عدة جرائد رئيسية؛ ولكن مثل هذا الإجراء لم يظهر دليلاً جديداً وإن أثار فضول الجمهور ووفر المجال أمام الصحفيين للفروض والتخمينات
واشتهر المنتحر المنقَذ باسم سمبر ايدم لزوار المستشفى وفي العالم أجمع؛ فهو لم يحاول تغيير هذا الاسم. وتعب الصحفيون ورجال البوليس والممرضون في استطلاع أمره، ولكن شفتاه لم تنفرجا عن كلمة واحدة رغم بريق عينيه الذي كان يدل على أن أذنيه سمعتا وأن عقله أدرك ما وجه إليه من أسئلة. وأخيراً أهملوه وبقى له اسم سمبر ايدم
إلا أن الغموض الهائل والغرام العنيف لم يكن له معنى عند الجراح بكتل عندما استدعى مريضه إلى مكتبه، فهذا الرجل في عرفه هو الأعجوبة التي تمت على يديه فعمل فيه ما اعتبره فن الجراحة مستحيلاً، دون أن يهتم باسم الرجل أو ماضيه، بل كان من المحتمل ألا يطلب رؤيته مرة ثانية، ولكنه في هذه اللحظة كان كفنان يحدق في المخلوق الذي أوجده. فقد أراد أن يرى صنع يديه وعقله للمرة الأخيرة