ومع كثرة وجوه الخلاف بين هذه المجموعات الخمس، فإن المتكلمين بإحداها يستطيعون، مع شيء من الانتباه، أن يفهموا كثيراً من حديث أهل المجموعات الأخرى، لاتفاقها في معظم أصول المفردات وفي القواعد الأساسية ومنحي الأساليب.
وأدنى هذه المجموعات إلى العربية الفصحى مجموعتا اللهجات الحجازية والمصرية. أما اللهجات فلنشأتها في المواطن الأصلية للعربية الفصحى، ولأن معظم أهل الحجاز ونجد ينتمون إلى عناصر عربية خالصة. وأما اللهجات المصرية فلأن صراع العربية مع اللسان القطبي الذي كان يتكلم به أهل مصر قبل الفتح العربي لم يكن عنيفاً ولم تلق في أثنائه اللغة العربية مقاومة ذات بال؛ ومن المقرر أن اللغة التي يتم لها الغلب بدون كبير مقاومة تخرج من صراعها أقرب ما يكون إلى حالتها التي كانت عليها من قبل. هذا إلى أن معظم أهل مصر منحدر من عشائر عربية الأصل.
وأبعد هذه المجموعات عن العربية الفصحى المجموعتان العراقية المغربية. أما العراقية فلشدة تأثرها بالآرامية والفارسية والتركية والكردية، حتى إن قسما كبيراً من مفرداتها وبعض قواعدها غير عربي الأصل؛ ولذلك يجد المصري مثلاً صعوبة كبيرة في فهم حديث العراقي. وأما المغربية فهي أبعد اللهجات العامية جميعاً عن العربية الفصحى. ويرجع السبب في ذلك إلى شدة تأثرها باللهجات البربرية التي كان يتكلم بها معظم السكان قبل الفتح العربي. فقد انحرفت من جرَّاء ذلك انحرافاً كبيراً عن أصولها الأولى في الأصوات والمفردات وأساليب النطق وفي قواعد نفسها
ولهجات البدو في جميع هذه البلاد أفصح كثيراً من لهجات الحضر، وأقل منها في الكلمات الدخيلة، وأدنى منها إلى العربية الفصحى. ولذلك نرى أن لهجات القبائل العربية النازحة إلى مصر وخاصة العشائر التي لم تبعد كثيراً عن حالتها البدوية القديمة، أفصح كثيراً من لهجات المصريين، وأكثر منها احتفاظاً بالأصوات العربية، وأدق منها في إخراج الحروف من مخارجها. فهي لا تزال محتفظة بأصوات الذال والثاء والظاء التي انقرضت من اللهجات المصرية؛ وأوزان كلماتها أقرب ما يكون إلى الأوزان العربية الصحيحة، ويندر أن نعثر فيها على مفرد غير عربي الأصل
ولهجات القرى في جميع هذه المناطق أفصح من لهجات المدن وأقل منها في الكلمات