عليها، وينال ألسنتها كثير من مظاهر التبلبل لكثرة ما ينتقل إليها من لهجات، وما يعتور نطقها من أساليب
وآخر لغة انتقلت إلى مالطة كانت اللغة العربية متمثلة في لهجة من اللهجات العامية المغربية السائدة في شمال أفريقيا. غير أن هذه اللهجة قد أحيطت بظروف تختلف كل الاختلاف عن الظروف التي أحاطت بسائر اللهجات العربية الأخرى؛ فسلكت في تطورها منهجاً يختلف كذلك كل الاختلاف عن منهج أخواتها، وذلك أن انعزالها عن العالم العربي وانتشارها في بلد مسيحي، وكثرة احتكاكها باللغة الإيطالية المجاورة لها، وخضوع مالطة لحكم الإنجليز، وكثرة من يفد إليها ويمّر بها من الأجانب، وانتماء هؤلاء الأجانب إلى شعوب مختلفة وتكلمهم شتى اللغات. . . كل ذلك قد وسّع من هوة الخلاف بينها وبين اللهجات العربية الأخرى، فبعدت عنها بعداً كبيراً، وفقدت كثيراً من مقوماتها، وتأثرت بطائفة كبيرة من اللغات الأوربية وخاصة الإيطالية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، وانتقلت إليها مجموعة كبيرة من مفردات هذه اللغات، وامتزجت هذه العناصر الدخيلة بالعناصر الأصيلة كل الامتزاج، فتألف من مجموع ذلك كله مخلوق عجيب في عالم اللغات، حتى أن الكلمة الواحدة فيها لتتألف أحياناً من أصلين أحدهما عربي والآخر أعجمي ((ليبيرانا) أي نجّنا أو خلصنا، فهي مؤلفة من الفعل الفرنسي بمعنى حرر أو خلص، والضمير العربي لجماعة المتكلمين)؛ ويندر أن تعثر على مثل هذا الخلط في أية لغة أخرى من لغات العالم
ولا يزال اللسان المالطي، على الرغم من هذا كله، محتفظاً بكثير من خصائص اللهجات المغربية التي انشعبت عنها. ومن أظهر ما بقي فيه من هذه الخصائص طريقة إمالة الألف المتوسطة في معظم الكلمات (فكلمة (باب) مثلاً ينطق بها في مالطة بإمالة الألف على طريقة اللهجات المغربية
واللهجة المالطية هي اللهجة العربية الفذة التي ارتقت إلى مصاف لغات الكتابة. وقد تم لها ذلك في القرن التاسع عشر. فمنذ ذلك العهد تطبع بها الكتب والصحف والمجلات وتدون بها الرسائل، وبالجملة تستخدم في جميع الأغراض التي تستخدم فيها لغات الكتابة وهي كذلك اللهجة العربية الفذة التي تدون بحروف لاتينية.