أين هو اليوم من غرائزه؟ هل أدرك مُنبهمها؟ أم ظل على حيرته الأولى؟!
إنه اليوم عليم بأسرارها خبير! ولكن علمه قد أضله، وخبرته قد أعمته! لأنه جعل الأطماع مقصداً، والأغراض هدفاً، ووزن الأمور بميزان الفرد فضل السبيل، وهو من ضلاله يضرب في تيهاء مظلمة
أجل، لقد صاول وداور وناوص حتى فك قيود استغلاق غرائزه، ولكنه قد بذل ويبذل وسعه في إفسادها!. وهكذا انقلب الأمر من جهل إلى معرفة أفسدتها الأطماع والأغراض الشخصية. . .
وهكذا أستطيع الآن أن أقرر أن الحرب كانت قديماً وليدة الجهل بأسرار الخير الكامنة في الغرائز، وأنها اليوم قد أصبحت وليدة فساد هذه الغرائز!
أما بعد فهذا حديث الحرب صُب في قوالب من فنون الحديث بيني وبين ولدنا الأديب (حسين) أول ما يبْدَهك منه أقباس الفكر الفلسفي القائم على قوة التصوير والحِجاج، وأشهد أني، وإن كنت لا أميل دائماً إلى خوض أوعار الفلسفة وأوعاثها إلا في خلواتي الفكرية الخاصة، قد اضطررت اضطراراً إلى مكابدة صعابها على صفحات الرسالة إرضاء لميول ولدي الفلسفية، ونزعاته الفكرية العميقة الطيبة الغراس، المأمونة الغاية.