للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصورة صادقة لهذه الغريزة؛ وصاحب غريزة السيطرة يفعل كل شيء في سبيلها؛ فإذا وجد من يعترضه تنمر وظهرت فيه غريزة الهدم والتدمير في أشد صورها، رغبة في قهر هذا المعترض! وإذا وجد من استكان له وخضع، لم يقنع بذلك بل دفعه هذا إلى التمادي في بسط سيطرته. . . وإن الحرب لمشتعلة حتما حيثما ظهرت هذه الغريزة وما يلابسها

ظهر إذن أن الحرب قد تكون وليدة غريزة المقاتلة كما بينا ووليدة غريزة الاقتناء والامتلاك كما أسلفنا، وأن من أسبابها غريزة الهدم والتدمير كما وضح أن حقيقة المقاتلة والاقتناء حقيقة تقتضيها أسباب الحياة ولكن في حدود الخير العام، كما ظهر أن فسادها واختلاطهما بالأثرة والحسد والطمع والغيرة جعلهما صورة فاسدة من صور الحرب اليوم!

- بقي شيء واحد يا والدي وهو كيف نفسر أسباب الحرب في العهود المظلمة وفي عهدنا الحاضر؟ وهل هناك اختلاف كبير بينهما؟

أما السبب فهو يرجع كما بينا إلى الغرائز السابقة في العهدين، ولكني أعتقد أن الحرب كانت في العهود المظلمة وليدة جهل العقول بحقيقة الخير في الغرائز الفطرية، وأنها اليوم وليدة فساد هذه الغرائز!!

وجماع القول في ذلك أن تصرفات الإنسان في عهوده المظلمة بقيت كما هي في بعض المجتمعات التي تعيش على الفطرة

ثم إن جهله بغرائزه في تلك الأحوال يشبه كثيراً ضلالة الغريب في فهمها أيام الطفولة! فقد أعشت الأبصار في العهود الأولى ظلمة الغريزة، حيث لم يكن في وسع الإنسان الانتفاع باّللمح الباِصِر من التجاريب، وكذلك الأمر في عهد الطفولة والمجتمعات المتأخرة! ولم يك همه في أيامه المظلمة غير ابتزاز ما اختزن دونه، والنظر إلى الأشياء بعين الفرد، وعين الطمع، فقد كان يومئذ أغلَف القلب لا تنفذ إليه أسرار معاني الخير من غريزة المقاتلة، وحب الاقتناء، وكذلك الأمر في الطفولة والمجتمعات المتأخرة. . .

هذا مكانه من غرائزه أيام جهالته وتأخره وطفولته! فأين هو منها اليوم؟ وقد رقى سلماً أطلعه مطالع النور والمعرفة، وذهب في التقدم مذاهب الجن. . .! لا يبالي ولا يستوحش، يزعم أنه على بصيرة من نفسه، ويقين من أمره، وإنه إلى بلوغ أعظم المثل العليا لمنتظر راج. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>