عالياً ولكن حظه السيئ ران عليه فصد أو خبا؛ ولكنه كان معروفاً بين الجيران لجمال زوجته الحسناء، وكانت أمينة من أصل تركي عاجية البشرة سوداء الشعر والعينين فاتنة القسمات فكان يدعوها أهل الحي بالأميرة وكانوا يضربون بجمالها المثل
وفي يوم من الأيام صدر قرار وزاري بنقله إلى أسيوط؛ فأسقط في يده، لأنه كان يعول والديه وأخوة صغاراً ولا يقوم مرتبه بالإنفاق على بيتين؛ وبدا له - في يأسه - أن يوجه زوجه إلى قصر (سليمان باشا سليمان) السكرتير العام لوزارته لتستعطف أمه أو زوجه لكي يبقيه الباشا في الإدارة العامة بالقاهرة؛ وراقت الفكرة لأميرة عطفة الجلاد بباب الشعرية فذهبت إلى قصر الباشا وسألت عن أم الباشا فقيل لها إنها ماتت من عهد طويل معه، فسألت عن زوجه فقيل لها إن الباشا أعزب، فأوشك أن يلحقها القنوط وأن تهم بالعودة من حيث أتت، ولكن صادف ذلك خروج الباشا من قصره، فاستوقف بصره منظر السيدة الجميلة التي تحادث البواب، فسأله عنها، فاستجمعت الشابة شجاعتها الموزعة وحدثت الباشا عما جاءت من اجله؛ ورق الباشا لجمالها فدعاها إلى صالون الاستقبال واستمع إلى شكاتها باهتمام وشغف. كانت تنظر عيناه أكثر مما تسمع أذناه، وكان كلفاً بالحسان ينسى في مجلسهن دينه ودنياه، فتحلب ريقه واحترق صدره، وابتسم لها ابتسامة حلوة وربت على منكبها بحنو وقال لها
- سأنظر في طلبك بعين العطف يا حسناء
وكانت أمينة قادرة على قراءة العيون فتولتها الدهشة ونظرت للباشا نظرة ملؤها الشك والارتياب ففتنته النظرة؛ فمد يده - كما تعود وكما ألف - فعبث بذقنها الصغيرة فقطبت جبينها وجفلت منه. فلم يدركه اليأس وما كان يدركه اليأس أبداً وقال لها برقة
- كلانا له رجاء عند صاحبه فاقضي رجائي أقض رجاءك
وعادت المرأة إلى زوجها وقصت عليه ما لقيت من الباشا فانزعج الشاب انزعاجاً كبيراً، وأرادت أمينة أن تشاركه عواطفه فبكت وإن لم تخل من زهو وفخار، وأزمع الشاب يأساً وقال لنفسه:(ليكن سفر، والأمر لله). ولكن في صباح اليوم الثاني استدعاه مدير الأرشيف فذهب إليه مبلبل النفس مضطرب القلب يظن أنه مبلغه أمر النقل لينفذه، ولكن الرجل قال له:(مبارك يا سعيد أفندي لقد ألغي أمر نقلك). فشكره الرجل متحيراً وهم بالرجوع، ولكن