المدير قال له:(ومبارك أيضاً فقد رشحت لوظيفة من الدرجة السابعة بمكتب السكرتير العام)
آه كم رنت الدرجة السابعة في أذنيه رنيناً بديعاً. . . لقد اضطرب وغضب وسخط وتحير وتردد وقارن ووازن، ولكن رنين الدرجة ابتلع كل صوت حتى صوت ضميره وعفته، وتيقظت أطماعه وجمح طموحه فاستسلم. وكانت أمينة التركية الجميلة ذات غرور وطموح أيضاً فاتفقا على أن السوأة شيء يدارى، أما الفرصة المؤتية فشيء لا يعوض. . . وهويا معاً. . .
وعزم على ألا تكون تضحيته عبثاً، فدرس في بيته حتى حصل على ليسانس الحقوق ورقى سكرتيراً للسكرتير العام؛ وما زال يصعد مدارج الرقي مستعيناً بهمته وذكائه وجمال زوجه. فلما اختير سليمان باشا سليمان وزيراً جعله مدير مكتبه، وقامت زوجه بنشر الدعوة له في الأوساط العالية وقدمته إلى كبار الرجال، فتبوأ بفضلها مركز السكرتير العام، وصار سعيد باشا كامل، وصارت هي حرم الباشا المصون. . . وكان قد تعود المهانة كما يتعود الأنف الرائحة النتنة. . . وفي يوم من الأيام أعلن الباشا أنه مسافر إلى بور سعيد في رحلة تفتيشية تستغرق عشرة أيام. وبلغ المدينة وشرع في العمل بما عرف عنه من النشاط وعلو الهمة ولكن اعتوره تعب فجائي اضطر معه إلى قطع رحلته والعودة إلى القاهرة، وانتهى إلى قصره مع المساء، وكانت عودة غير متوقعة، فاستقبله البواب بدهشة لم تخف عن عينيه على ندرة اندهاش النوبيين، والتقى الباشا بالسفرجي في الردهة التحتانية، فتولى الرجل الانزعاج ولم يستطع أن يخفي تأثره، فغضب الباشا وسأله:(أين الهانم؟) ولم يجب الرجل كأنه لم يسمع، فقال له بحدة:(أين الهانم يا أحمق؟)، فارتعب الخادم وقال بتلعثم:(فوق يا سعادة الباشا. . . فوق)، فصعد السلم الخشبي المفروش بالبساط الأحمر المخملي وهو يتساءل: ماذا هنالك!؟ وبلغ الصالة في ثوان، فرأى وصيفة زوجه تنسق باقة زهر ناضرة. . . فلما رأته حملقت في وجهه بذهول وجمدت عن الحركة لحظة كأنها فارة جذبت عيناها إلى عينيي هرْ. . . ثم هرعت إلى حجرة النوم ونقرت على بابها المغلق وهي تقول: سيدتي. . . الباشا هنا. . . فساوره القلق والاضطراب ودنا من الباب ووضع يده على الأكرة وهو يعجب كيف لم تسارع الهانم إلى فتح الباب واستقباله، ثم أدارها فلم