للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- ٧ -

كان الأبيوردي شاعر العرب في القرن الخامس كما كان المتنبي شاعرهم في القرن الرابع؛ فشعره ينطق بإباء العرب وعزتهم، ويعرب عن طباعهم وأخلاقهم، ويتحدث بمآثرهم ومفاخرهم، ويمدح كثيراً من رؤسائهم، ويرثى لحالهم في عصره ويأنف ألاً ينالوا حقهم. وهو كثير الحنين إلى بلاد العرب، نزاع إلى البداوة تشبها بهم

والفرق بين أبي الطيب المتنبي وأبي المظفر الأبيوردي أن الأبيوردي أكثر قصداً في فخره وثورته وتحدثه عن مطامعه؛ على أن له أصلاً في الملك يجعل كلامه أقرب إلى القبول وأدنى إلى التصديق

وكذلك يتشابه الشاعران العظيمان في العزوف عن الدنايا، والترفع عما فخر به الشعراء من معاقرة الخمر والاسترسال في الشهوات

ولا يعوز قارئ ديوان الأبيوردي الدليل على هذه الأخلاق والنزعات؛ يقول في اعتداده بنفسه:

وإني إذا أنكرتني البلاد ... وشِيبَ رضا أهلها بالغضب

لكالضيغم الورد كاد الهوان ... يَدبّ إلى غابه فاغْترَبَ

فشيدتُ مجداً رسا أصله ... أمتَّ إليه بأمْ وأب

ولم أنظم الشِّعر عجباً به ... ولم أمتدح أحداً عن أرب

ولا هزني طمعٌ للقريض ... ولكنه ترجمان الأدب

ويقول:

وما أنا ممنْ يملأ الهول صدرَه ... وإن عضه ريب الزمان فأوجعا

إذا غسلت العار عني لم أُبَل ... نداء زعيم الحي أو نعى

والأبيوردي لا يرضى بعيشته، ولا يسكن إلى حاله، ولكنه يأنف أن يسف إلى المطمع الدون، ويستكبر أن تضرعه الحاجة إلى الذل، بل يرى الدنيا كلها أصغر من أن تذل لها نفوس الأحرار. يقول:

قضت وطراً مّني الليالي فلم أبح ... بشكوى ولم يدنس عليّ قميص

أغالي بعرضي والنوائب تعتري ... وغيري يبيع العرض وهو رخيص

<<  <  ج:
ص:  >  >>