لا أعرف بالضبط أين دُفن أبو الدرداء، ولا أعرف المكان الذي تحتله هذه (الرواية) بين الجد والمزاح، ولكني مع هذا لا أستبعد أن يكون للأموات أياد في مصاير الأحياء؛ فقد حبرت أكثر من سبعين صفحة من صفحات (التصوف الإسلامي) في تأييد نظرية (وحدة الوجود). ولم يبق عندي شك في أن الوجود كله مربوط برباط وثيق من الكهرباء، بحيث لا تنتقل ورقة من الخضرة إلى الذبول، ولا يتحول جسد من الحياة إلى الموت، بدون أثير في الوحدة الوجودية، وإن غفل عن ذلك من يكتفون بما تقع عليه الحواس
وإذن فمن حق الإسكندرية أن تستنجد بأرواح أبنائها البررة والفجرة من أقدم عهودها إلى اليوم. ومن حقها أن تثق بأن كريها لن يطول، لأنه ليس إلا مرحلة قصيرة من مراحل الوحدة الوجودية وهي تنتقل باستمرار من وضع إلى وضع بدون أن يظهر أنها تفرق بين السعود والنحوس
ثم ماذا؟ ثم أقول لا موت في هذا الوجود، فليس فيه موجود غير حي، ولو كان هباء تذروه الرياح، فما كانت الحياة إلا عرضاً من أعراض الوجود، لنه في ذاته آصل من الحياة ومن الموت
ولهذه الفكرة الفلسفية تفاصيل لا يتسع لها هذا الحديث
بين الاحتلال والاستقلال
دعونا أصدقاء الرسالة إلى الموازنة بين حالتين من أحوال الشعوب: هما حال الاحتلال وحال الاستقلال، فكيف أجابوا؟ كان جواب الأديب (م. ف. م) أن عهد الاحتلال في مصر كان أفضل من عهد الاستقلال، ولكن كيف؟
كانت جداول (المناوبات) تنفذ بدقة في عهد الاحتلال، وكان التلاميذ أكثر التفاتاً إلى الدروس، وكان الزعماء أقوى وأقدر على النضال الشريف
وأقول إن هذه الشواهد لم تقنعني بأن الاحتلال أفضل من الاستقلال؛ فجداول المناوبات لا تحتاج في مراعاتها إلى عناء، وأنا مستعد لنقل جميع شكاياته إلى وزير الأشغال
أما انصراف بعض التلاميذ عن الدروس فله أسباب غير الاستقلال. وأما قوة الزعماء في عهد الاحتلال فلا ترجع لمزية أساسية من مزايا الاحتلال، وإنما هي فورة طبيعية يؤرثها الشوق إلى الاستقلال