للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اشهدوها واسمعوها كذلك، ثم انظروها وقد لبست في هذا الصيف ثوب الحداد على شهداء أعزاء. . . واسمعوها، اسمعوا منها تلك الأغنية العذبة، وقد تبدلت فجأة، فإذا هي عويل وبكاء. . . وأنصتوا لموسيقاها الصاخبة، وقد أضحت لحنا حزينا خافتا بين الأطلال. . .

اسألوا هؤلاء الذين كانوا بالأمس يسعون إليها هربا من حرارة الجو. . . ماذا قدم لها اليوم حين سعت إليهم هربا من جحيم الشيطان!

اسألوا هؤلاء ماذا قدموا من خير - وهم قادرون - للأمهات الحزينات فقدن العائل وفقدن الأبناء!

اسألوهم ماذا قدموا من عون لليتامى، وقد هاموا على وجوههم حائرين، ضلوا سبيل الحياة!

اسألوهم ماذا قدموا من مالهم لمن صار محروما!

اسألوهم ماذا قدموا من مقدرتهم لمن اصبح عاجزا!

اسألوهم ماذا قدموا من قوتهم وصحتهم لمن صار ضعيفا عليلا!

اسألوهم ماذا قدموا من خبزهم للجياع، وماذا قدموا من كسائهم للعرايا. . . وماذا قدموا من دورهم للمشردين!

بل سلوهم ماذا قدموا من كلمة مواساة لهؤلاء، علها أن تخفف شيئا من وقع المصاب!

ترى هل يجيبون. . .؟ يقينا انهم لا يجدون الجواب!

فكم منهم ذكر الإسكندرية في محنتها بشيء؟ بأي شيء ذكروها هذا البعض القليل الذي ذكر. . .؟!

أيتها الدنيا: انك لغادرة خادعة!

فليست هذه مقدرتهم التي عرفناها في ميادين اللهو واللذة والمتعة الفاجرة. . . وليست هذه وجاهتهم التي عرفناها في قصورهم وحيث يحيون!

وأنت أيتها الإسكندرية: انهم لم يحبوك في يوم من الأيام. . . ولكنهم احبوا لذتهم ولهوهم، واحبوا عندك الظهور والكبرياء!

انهم لم يعطوك، حين كانوا يعطونك كل صيف مما وهبتهم الأيام، لرغبتهم في أن ينالك شيء من خيرهم، ولكنهم لو استطاعوا لأخذوا كل ما لديك لأنفسهم. واذهبي أنت مع الريح!

<<  <  ج:
ص:  >  >>