ولأعد بالقاري إلى الكلمة التي قدم بها الفقيد للجزء الأول من كتابه لنستمع إليه وهو يقص علينا بداية شغفه بدراسة التاريخ المصري القديم فنرى أنه زار الأقصر في سنة ١٩٢٤ ليشاهد قبر الملك (توت عنخ آمون) فزار قبور وادي الملوك والملكات والدير البحري ومعبد الكرنك ووقع في يده كتاب (طيبه للأستاذ كابار مدير معهد الآثار المصرية في بروكسل فقرأه فخيل إليه أن الآثار التي مر بها مرور الطير أخذت تتجسم وأن الحياة أخذت تدب فيها فحفزها إلى زيارة الأقصر مرة أخرى زيارة مشوق إلى الحقيقة وأصبح (يهمه أن يدرس ما فيها من الآثار وعدت من هذه الزيارة وقد ازددت شغفاً بمصر القديمة فأحسست رغبة قوية في زيارة المتحف المصري، مع أنني كنت قد زرته من قبل مرتين فجعلت أزوره من جديد زيارات كان لها في نفسي معنى جديد)
هكذا كانت البداية، بداية رجل شغفته آثار مصر القديمة حباً فرغب في دراستها، والبحث عن وجه (الحقيقة) فيها فمتى إذن انتقل به البحث إلى (القومية)، أو متى تسلطت على دراساته (قومية البحث)؟
يجيبك هو على هذا السؤال فيقول:
(وتكررت زيارتي للآثار وانكببت على المؤلفات التي وصفها علماء المصرولوجيا، فكنت كلما أوغلت فيها شعرت كأن مصر تكبر في عيني وكأني بذلك زهواً)
من هنا بدأت بذور القومية تنمو في نفس الرجل، ولكن هذا النمو في (البذور) يحتاج إلى كثير من (الماء) و (السماد) ليستقيم العمود ويبسق فارعاً في الفضاء. . . فما كان ماؤه وما كان سماده؟ كان لابد للرجل من (الغضب) ليكون (تعصب) ولتكون (حماسة) وليكون (إصرار) على إبراز فضائل مصر. . . وقد (غضب) الرجل الذي لا يغضب غضباً ظاهراً، واستبنا منه هذا الغضب من خلال قوله:
(وأخذتني الدهشة من أننا ونحن أبناء مصر هذه لا نعرف عنها هذا الذي يعرفه الأجانب، ولا نعجب بها هذا الإعجاب الذي يبذله لها الأجانب، ولا نغرم بمجدها وتقصى خفاياه هذا الإغرام الذي يقبل عليه ويرتاح له الأجانب)
من العبارات السابقة وضحت القومية؛ ولكن العبارة الأخيرة توضح حالة الاقتران بين