أما الرجل الذي يترك شاربه، فإنه يحتفظ بهيئته الحقيقية وبرقته في وقت واحد، وللشوارب أشكال متعددة تختلف عن بعضها اختلافاً عظيما، فهي تارة: معقصة، معقوفة، أنيقة. وهذا يبدو عليها أنها تحب النساء فوق وقبل كل شيء آخر!
وهي طوراً: مسننة، مهددة، حادة كالإبر. . . وهذه تميل للخمر والخيل والحرب!
وأخرى هي: غليظة، مترهلة، مفزعة. . . وهذه تخفي عادة طبعاً حسناً وطيبة عظيمة إلى درجة الضعف، ولطفاً لا يكاد يفرق عن الحياء والخجل
ثم أن ما أحبه أكثر من كل شيء في الشارب، إنه فرنسي وفرنسي بحت، فقد تحدر إلينا من أسلافنا الغالين وما انفك يتوارث حتى غدا سمة فارقة من سماتنا الوطنية
والشارب مهذار، شجاع، أنيق. . . فهو يرقص برشاقة في كأس النبيذ، ويعرف كيف يبتسم بظرف، بينا الفك الذي تستطيل لحيته، يبدو فظاً سمجاً في كل ما يأتيه من حركات!
وإليك حادثاً استنفذ جميع دموعي وجعلني أفتن بالشوارب على ثغور الرجال: حدث ذلك خلال الحرب الماضية، وكنت إذ ذاك فتاة صغيرة، واتفق ذات يوم أن جرت معركة شديدة على مقربة من قصر والدي، فأز الرصاص، وقصفت المدافع منذ الصباح، فلما هبط المساء دخل علينا قائد ألماني وأتخذ له مجلساً بيننا، ولم يلبث في اليوم التالي أن غادرنا. . . ثم جاء من أخبر والدي أن في الحقول كثيراُ من القتلى، فأمر بجمعهم وجلبهم للقيام بدفنهم
فجمعوهم ومددوهم على طرفي شارع الصنوبر من أوله لآخره، ولما بدأت تنبعث منها روائح كريهة أخذ الجنود يهيلون عليهم التراب في انتظار الانتهاء من تهيئة الحفرة الكبرى التي تتسع لهم جميعاً، وهكذا لم يعد في الإمكان رؤية شيء من جثثهم، ما عدى رؤوسهم التي كانت تبدو للناظر كأنها تنبت من الأرض صفراء مثلها بعيونها المقفلة و. . . .
فقد تملكتني رغبة قوية في أن أراهم، ولكني عندما أبصرت هذين الخطين الطويلين من الوجوه الفظيعة، شعرت كأنما أغمى علي. . . ثم رحت استعرض هذه الوجوه وأنا أحاول معرفة أصحابها
كانت بذلاتهم الرسمية مطمورة تحت أطباق الثرى، ومع ذلك فقد استطعت فجأة يا عزيزتي أن أعرف الفرنسيين من شواربهم!