للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويعدهّ للإصلاح

أتم الشيخ دراسته، ولأمر ما أراد الله به كماله، هجر مصر لأسباب سياسية وطوّف في بعض بلاد الإسلام وبعض البلاد الغربية فأكتمل نضجه. ثم عاد واشتغل بالقضاء الأهلي وعرف أساليب القضاء الحديثة من منابعها فصار قديراً على الإصلاح في القضاء الشرعي كما هو قدير على الإصلاح العلمي وإصلاح نظم الدراسة

هيأت له الأسباب جميعها تولي إفتاء الديار المصرية وصار له شأن في إصلاح الأزهر بعضوية الإدارة فيه، وكانت مواهبه وجاهه وخبرته بالدولة ورجال الدولة مما جعله المسيطر على الإصلاح في الأزهر وصاحب النفوذ به

عرف الشيخ أن النفوذ والجاه ووضع النظم وما إلى ذلك لا يكوّن الرجال العاملين ولا العلماء المجددين، وأنه لا بد لهذا كله من أن يضاف إليه التعليم الصحيح وأن يتولاه بنفسه، فقرأ في الأزهر كتاباً قيما من كتب المنطق، وقرأ رسالة في التوحيد، وقرأ كتب الشيخ عبد القاهر في البلاغة وشرع يفسر كتاب الله.

كانت دروس الشيخ كالغيث. أما البلد الطيب فقد خرج نباته بإذن ربه؛ وأما البلد الخبيث فقد خرج نباته نكداً. وكانت دروسه مثلاً عالياً في طريقة الإلقاء والتفهيم وفي العبارات الفصيحة المتخيرة النافذة إلى القلوب. وكانت دائرة معارف يجد اللغوي فيها حاجته والفقيه رغبته والمتكلم بغيته. ويجد علماء الاجتماع فيها تطبيق آي القرآن على معارفهم، وكانت صرخاته المدوية منبهة للغافل ومحركة للجامد. وكانت عاصفة قوية هزت الأشجار الباسقة القوية فسقطت أوراقها الذابلة ثم أورقت. أما الشجيرات الضعيفة والحشائش الدنيئة فأفلتت منها ولم تنتفع بها

عاملان من أقوى العوامل وقفا في طريق الشيخ. عامل الحسد، وعامل البيئة. ومن المحال أن يوجد رجل كالشيخ في صفاته وعلمه لا يحسد. ولو أنه لم يحسد ولو أنه لم يرم بالكفر والضلال ولو أنه لم يشتد حسده ولم يقاوم أشد المقاومة بسبب الحسد لما كان شيئاً يتحدث عنه ولما كان رجلاً من رجال التاريخ وقديماً قال الإمام الغزالي: (استصغر من علماء الدين كل من بالكفر لا يعرف، وكل من بالضلال لا يوصف). والسلاح القاتل الذي يرمي به علماء الدين هو الكفر والزندقة، والمقتل الوحيد الذي يقصد بالسهام في علماء الدين هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>