للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العقيدة.

وأما البيئة فقد أشرت إليها من قبل ولا أبيح لنفسي أن أضرب الأمثال وأقيم الأدلة على أنها بيئة لم يكن من العدل أن ينتظر منها مناصرة الشيخ وقبول آرائه وطرائقه في الإصلاح الديني واللغوي وغير ذلك. ولم يكن من الحق أن يطمع الشيخ في مناصرتها إياه. وبخاصة أنه هاجمها هجوماً عنيفاً لا هوادة فيه وسفّه آراءها في أعز شيء لديها وهو العقيدة. وسبب ثالث له خطره وهو أن جهة ذات نفوذ أظهرت عدم الرضا عن الشيخ وساعدت خصومه. وان جهة ذات نفوذ آخر ساعدته وشدت أزره فظن القوم أنه رجل يريد إفساد الدين وإفساد العلم وإفساد الأزهر. ومن أشد مظاهر الحسد إذ ذاك أن عالماً من كبار العلماء كتب سلسلة مقالات في جريدة المؤيد يحرم فيها تعليم الحساب والجبر والهندسة والتاريخ في الأزهر لأن الشيخ كان أول المشيرين بتعليم هذه العلوم في الأزهر وكاد العناد يكون كفراً.

ذهب الشيخ إلى جوار ربه منذ ست وثلاثين سنة، وكان فضله مجحوداً، وكان يرمي بالكفر والزندقة. لكنه كلما ابتعد الناس عنه بالزمان اقتربوا من معرفته، وزاد المقرون له بالعلم والتقوى والإيمان والغيرة على الدين. والمقرون له بالإصلاح وبالذود عن الإسلام والمسلمين

مات الشيخ وبقيت طريقته في الإصلاح لم تمت، وبقيت آراؤه مدونة في الكتب ومرسومة في صدور تلاميذه المخلصين يورثونها الأبناء والأحفاد. إن ذلك المصباح لا يزال يسطع نوره ولا يزل نوره يمتد في آفاق البلاد الإسلامية وغيرها وسيتجلى للناس جميعهم عندما ينصفه التاريخ ويتقادم العهد أنه علم من أعلام الأمة ومجدد من مجددي الإسلام؛ وأنه أحد رجال السلف الصالح. تأخر ميلاده عن خير القرون لحكمة أرادها الله، فولد في القرن الثالث الهجري

ترك بذور الإصلاح للتعليم الديني وتعليم علوم العربية وبذور إصلاح القضاء الشرعي، وبذور إصلاح المجتمع الإسلامي والأمم الإسلامية. وليس في رجال تفسير كتاب الله من يضارع الشيخ أو يقاربه في تطبيق آي القرآن على سنن الاجتماع، وفي تصوير هدى القرآن، وفي فهم أغراض الدين العامة

<<  <  ج:
ص:  >  >>