لا يحتمل الجدل؛ ثم هو عاجز كل العجز عن ملائمة نفسه بالبيئة التي تحيط به، والقدرة على الملائمة من قواعد الحياة الثابتة، التي تقوم على ضوء أقباس العقل الكامل، وإشعاع التعليل الروحي!
ثم إني لألمس هذا القصور عن بلوغ مواطن التعليل الروحي عند الحيوان، حتى فيما يرتكز على غرائزه الثابتة؛ فهذا حيوان يأكل العشب الأخضر، تراه يلتهم ما أمامه بغير تأمل، فهو لا يميز بين الضار وغير الضار، لحرمانه من التعليل الروحي؛ ولكنه بالتكرار والتجربة، يستطيع أن يدرك أن هذا النوع الذي أصابه منه ضرر جدير أن يبتعد عنه، وهو حتى في هذه الحال بطيء الإدراك، بطيء الفهم لوسائل التكرار والتجربة، فلو غيرت ظروف البيئة الأولى لوقع فيما وقع فيه أولاً!
أما أثر التعليل الروحي في الأدب فيبدو واضحاً جلياً في خطرات النفوس الشاعرة، ونظرات القلوب الفنانة الساحرة، وإنه ليكون اكثر وضوحاً في نفاث الشعراء الغزليين، ونغمات الكتاب الوجدانيين، وفي كل أثر من أثار الفكر السابحة في سماء من الخيال المجنح الذي لا يعرف القيود، ولا يعترف بالحدود! ومثل هذا التعليل لا يقوم إلا على التصور والتخيل، فهو من شواهد اليقظة الروحية، ولكن أثره لا يمتد إلى آفاق التعليل العملي، القائم على التجربة والقياس، وإن كان أصحابه من الشعراء والكتاب يحلقون في سماء الخلود الفكري. فغاية التعليل الروحي تغلب عليه الشخصية وتكسوها الفردية. فالشاعر الوجداني إنما يُشرح خواطر قد انبعثت من تقلبه في غمرات من الآلام الخاصة، واضطرابه في طوارق من الأوجاع والأسقام، فأثاره مقيدة بقوة تأثير ما يضطرب في حياته
والشعراء والكتاب الذين ينهجون نهجاً وسطاً بين الروحي والعملي هم بناة صروح الحياة، فما كانت الإنسانية في حاجة إلا للثبت الذي يستطيع المجانسة بين قوة التعليل الروحي وانطلاقه وقوة التعليل العملي وقدرته، وخير المصلحين من جمع بين فلسفة الفكر وفلسفة العمل والتجربة
- رائع هذا يا ولدي ولكني أميل إلى جعل التعليل الروحي شديد الصلة بالشعر وسائر أنواع الفنون كالرسم والنحت والموسيقى، فما سمعت مرة قطعة موسيقية روحية إلا