وما هو آت، وربط التجاريب القديمة بالنظرات الحديثة، ووقف عند كل ظاهرة من ظواهر الحياة وقفة الفكر العملي الذي لا يقنع بزاد التخيل، ولا يرضى بعتاد التصور!
ولقد كان الإنسان في فجر أيامه تيهان هائماً، وكان موقفه من مشكلات الأمور موقف العجز المطبق أو القدرة المقيدة تغيم الدهشة في رأسه إذا طوقته الحادثات، وتضطرب الحيرة في فكره إذا بدهته الملمات!
كل أعماله تنم عن نقص في التدبير، وكل تصرفاته تدل على قصور في التفكير، وما من طريق سلكه إلا هتك عن جهل بمغالبة الأمور
ولقد ظلت أموره إلى عهد غير بعيد مشدودة إلى ماضيه بقيود من المنافع الخاصة والنظرات الروحية! أما اليوم فقد تحول تحولاً كبيراً، وانقلب انقلاباً خطيراً. . .
أفلم يساير الزمن في تقلباته، ويلابس التقدم العقلي في تصرفاته؟ أو لم يناوص ويصاول حتى أدرك أسراراً لم يكن ليستشفها إلا الفطن الذي تحفزه فكرة وعقيدة؟!
ولقد ملك اليوم ناصية فكرة وعقيدة مهما يكن مكانها من الخير أو الشر فهي من علائم اليقظات الحسية! وجماع القول في تدرج الإنسان، ومسايرته للزمن، وملابسته للتقدم العقلي، إنه كان روحي التعليل فاصبح عملي التعليل، وانتقل من لا نهاية التخيل والتصور إلى حدود التجربة والعمل
وكان في انتقاله هذا إدراك لما لا يناله غوص التخيل وتحقيق لما لا يسبر غوره تغلغل التصور، ولم يعد الإنسان ذلك المكدود المجهد اللاغب المدلج الحائر
ولكن هذا التطور جلب شراً خطيراً كما حقق خيراً كثيراً
وأكبر الظن أن الإنسان سيظل مندفعاً في سبيل التعليل العملي وحده والتجربة خاصة، حتى يصل إلى غاية تنقلب فيها الأمور إلى أضدادها! وما ذلك ببعيد. وهل كانت هذه الحرب الضروس إلا صورة لفساد المذهب التجريبي العملي التعليل؟
تلك صور الإنسان، فما صور الحيوان؟ عندي أن الحيوان عملي التعليل يسير على ضوء التجربة وينهج نهج الخبرة السابقة، فكل أعماله غير الغريزية لا تكمل صورها إلا بالتكرار والتجربة ولذلك الاعتقاد عندي علل وأسباب
فهو محروم من التعليل الروحي الكامل المعاني، لحرمانه من صور العقل الكامل وهذا أمر