ولما كان التعليل صورة من صور الروح والعقل، ومظهراً من مظاهر الشخصية، كان طبيعياً انه إذا اشتد وتمت له الغلبة على الشخصية نفسها، وعلى سائر مكوناتها، أو تخطى حدود التوازن بينه وبينها. . . انتقل بالإنسان من قيد الشخصية الفردية إلى أفق الإنسانية العامة. . . فإذا به قد صب في قوالب من صور المجتمع، واستطاع أن يغالب نوازع النفس الفردية بعد أن كان الحكم والغاية فيه للتصور والتخيل والذوق الخاص، لا للميول الاجتماعية والخير العام
- رأيتَ يا بني أن التعليل الروحي من مكونات الشخصية، وإنه في أول أمره يكون من سمات الفردية، فإذا تمت لها الغلبة على سائر مكونات الشخصية، انتقل بها من نطاق الفرد ومنافعه الخاصة إلى أفق المجموع ومنافعه العامة، هذا حق ولكن يحسن أن نجلي عنه قليلاً فنقول: إن التعليل الروحي إذا غلب عليه التأمل الخاص أصبح صاحبه محباً للأثرة؛ أما إذا مسه شعاع من أقباس الميول العامة والعواطف، كان طريقاً ممهداً إلى مسايرة منافع المجتمع الإنساني وملابسة تقلباته وتطوراته، أو كان سبيلاً إلى معارضة تلك المنافع ومحاربتها. . .!
فهذا رجل نبيل الروح تظهر روحه النبيلة في مظاهر تعليله، ويقف تأثيرها في أول الأمر أو في حالة التوازن بينها وبين شخصيته عند منفعته الخاصة. إما إذا قهر هذا التعليل الروحي النبيل سائر مكونات شخصيته جعل منه صحاب ميول اجتماعية إنسانية سامية؛ فهو بما فطر عليه من نبل يعمل على إسعاد المجتمع وتقويم أوده. . .
وذاك رجل غلفت روحه بالأثرة والطمع، وطغى ذلك على مذاهب تعليله؛
فهو يتخبط في ظلمات أثرة محدودة بأطماع مقيدة في أول أمره؛ ثم إذا تمت الغلبة لتعليله الروحي وقهرت شخصيته، انطلق انطلاق الطائر الحبيس تفتحت أمامه آفاق السماء، فراح ينتهب من هنا وهناك، ويحلق هنا وهناك، وكان في جميع أموره مقدماً منفعته، معارضاً الخير العام
- وأرى يا والدي أن التعليل العملي سبيل من سبل إسعاد المجتمع. فما كانت الآلات ووسائل العلاج المختلفة إلا وليدة تعليل عملي، تأمل في أحوال الكون، وقارن بين ما فات