للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت مقالاته وبحوثه تتسم بالرأي السديد والأسلوب المبين ويفيض على جنباتها شعور صادق ولمحات شتى تشير إلى مثل الحياة العليا التي يريدها لقومه وبلاده. ولو لم يدركه الموت في عنفوان شبابه لترك للأدب ميراثاً خصيباً لا تبلى جدته. وحسبه فضلاً أنه ساهم في فن القصة العراقية قبل أن يشيع هذا الفن في سورية ولبنان، وسعى مع أنداده أنصار المدرسة الحديثة إلى تعزيز الحياة الأدبية في بغداد، وكتب خواطر وفصولاً في النقد والاجتماع، وترجم عن التركية التي أتقنها قصصاً نشر بعضها ورجا أن يجمعها في سفر مطبوع. على أن أكثر ما كتب هذا القاص مبعثر في تضاعيف الصحف والمجلات العربية في مصر والشام والعراق فحبذا لو يتسنى جمع شواردها في كتاب

ما أشقى حظ الأديب من أهل دنياه! ففي غابر العصور كان يقول ابن الرومي: لهفي على الدنيا. . . ورهن المحبسين كان يولول من أم دفر، وهكذا في جديد الدهر يموت الأديب فيتحسس الناس مجاثم نبوغه بعد مماته ويهبون لتمجيد ذكراه. وما أحراهم لو فعلوا ذلك في حياته فقدروه قدره وكرَّموه بما كان يزيده بسطة في أدبه وتحليقاً بفنه. وقد يكون بين عاثري الجدود من الأدباء من لا يأبه لفقده عارفوه، كالذي وقع للأديب العراقي محمود السيد، إذ لم أعرف صحيفة أدبية في بلادنا عددت مآثره إلا مجلة (الرسالة) في مصر، فقد نعته لقرائها ورثته بكلمة وجيزة. وكان المرتجى من صاحب (الحديث) في حلب وهو الوفي لإخوانه الأدباء أن يختصه بمقالة على الأقل في مجلته التي سكب الفقيد كثيراً من المداد على بحوثه وقصصه فيها

فيا أسف الآداب والشباب لفقدهما هذا العصامي الذي حمل باكورة القصة في مرابع الرشيد! ويا فتية العراق المناجيد، ويا صحبه الأكرمين، من أولى منكم بإثارة ذكراه، وأنتم الذين أحبكم وأهدى إليكم ما خطت براعته قبل أن تغتمض عيناه؟

لم يكن محمود أحمد السيد مغمور الصيت ولا مجهولاً لدى قراء العرب، وإنما عاش كأزاهير الليمون في الربيع تتشقق أكمامها عن الحياة ويفوح منها الأريج، ثم لا تلبث أن تذوي وتتساقط تاركة في الأفانين ثمراً مختلفاً ألوانه طيباً مذاقه

هكذا أفل شباب هذا القاص البغدادي الذي حرم دنيا تضيّفها تاركاً آثاره التي تشف عن أدب نضير مطبوع بمياسم العراق

<<  <  ج:
ص:  >  >>