قال الأستاذ الرافعي في مقدمة كتابه عن محمد فريد إن الأمة (لم تقدره حق قدره ولا عرفت له عظيم منزلته).
وهذا ويا للأسف صحيح؛ لأن الصفة الكبرى التي امتاز بها هذا القديس الوطني هي الصفة الكبرى التي نجهلها نحن المصريين أو نحن الشرقيين على التعميم، وهي الصفة الكبرى التي لا نصدقها إن لمسناها ولمسنا آثارها، لأنها أشبه عندنا بغرائب الأساطير وخوارق الطبيعة: وهي المفاداة الخالصة مع الإيمان الثابت. فقد يلام الرجل على هذه الصفة العلوية لأنها تلتبس علينا بالتفريط؛ وقد يحمد على الحرص واقتناء المنافع، ولا يحمد على تضييع منفعة أو نسيان أثره حريصة، لان المفاداة شذوذ لم نألفه طويلاً في عادات المجتمع ولا في عادات الأفراد.
وما من شيء في اعتقادنا هو أجدى على المصريين والشرقيين من كتاب يؤكد صفة المفاداة ويثبت وجودها في رجل معروف السيرة معروف الأعمال مستقيم الخلق كمحمد فريد لم يشتهر بنزوات أهل الشذوذ ولا ببدوات التفرد والاستثناء
فإن الشك في وجود المفاداة يغلق المسالك بين السنة المصلحين الغيورين وأسماع السواد والناشئين: انهم لا يصدقون غيرة المصلح الذي يعمل لفكرة يحققها أو مثل عال يجرى وراءه، وان صدقوا منه هذه الغيرة نظروا إليها نظرتهم إلى طبيعة غريبة ليست منهم وليسوا هم منها، فلا وجه لإقتدائهم بها ومجاراتهم لأصحابها؛ إذ ليس من عادة الإنسان أن يصغي إلى من يحلهم منه محل الغرباء المخالفين لسنته في حياته، وإنما يصغي إلى من يمشون معه على سنة واحدة، وينتفي بينهم وبينه شعور الاستغراب والاستبعاد!
وهذه ولا ريب إحدى فوائد الكتاب الذي كتبه الأستاذ الرافعي في سيرة هذا الرجل الكبير.
على إننا نحب أن نستدرك هنا استدراكا له موضعه وله موجبة فيما يكتب بيننا عن القداسة والقديسين
فقد تعودنا أن تجور صفات القداسة على الصفات الدنيوية حتى خيل إلى أناس منا أن وصف القداسة يجرد الإنسان من وصف العمل الدنيوي أو المدارك الواقعية التي يحتاج إليها الساسة وزعماء النهضات القومية.
فان فهم أحد من وصفنا فريداً بالقداسة أنه لم يكن يدرك السياسة العملية إدراكها الصحيح