الحرب العظمى فإحدى صفحات قلائل في سجل البطولة لا يكتبها ألا فريد ومن وهبوا ما وهبه فريد من فضيلة الصدق والمفاداة، وهم قليلون
ومثل لنفسك رجلاً منقطعاً عن بلده، منقطعاً عن موارده، ليس له جند ولا مال، وليس له ملجأ يحميه من أصحاب الجند والمال هناك، وأينما دار ببصره لم يجد حوله ما يثبته ويملي له في رأيه، بل وجد العوائق والمحظورات شتى تفت في عضده وتثنيه، وتؤيسه من عاقبة جهوده وأمانيه. . . والدنيا حرب والقول ما قال العسكريون والدولة مشغولة كلها بالحملة على مصر أو على الولاية التي ستعود إلى مكانها القديم من الدولة العثمانية، وهذا الرجل في عزلته وبين ثلاثة أو أربعة ممن يسيرون على نهجه يقفون في وجه هذا السيل الجارف ليصدوه بكلمة هي أقسى ما يسمع من قائل في تلك الأيام، وهي أن مصر للمصريين وليست للعثمانيين ولا لغيرهم من الفاتحين. . .
هذه صفحة فريد في القسطنطينية
وليس في تاريخ بني عثمان ولا تاريخ دولة من الدولات ما هو أولى بالتسجيل والتمجيد من هذه الصفحة التي كتبها بوحي لا يستوحيه مؤرخو الأبطال، بل يستوحيه دونهم أبطال المؤرخين
وشاء القدر أن يبوء هو بفخارها وألا يبوء خصومه إلا بصغارها وعارها. فأولئك الذين عارضوه وعاندوه وأكرهوه على اللياذ منهم بآفاق أوربا وهي أضيق عليه من سم الخياط. . . أولئك المعارضون والمعاندون هل عارضوه وعاندوه إيثاراً لتركيا أو إيثاراً لمصر أو إيثاراً للحرية والحضارة الإنسانية؟
. . . كلا. بل كان هذا وزيراً منافساً لأمير مصر فهو يغتنم الفرصة السانحة لشفاء الضغن وإحياء التراث، وكان هذا قائداً طموحاً فهو يتخذ من دولته ومن مصر معها مطية لطموحه؛ وكان هذا وذاك وغيرهما مصريين يقسمون بينهم مناصب الحكم في الولاية العثمانية المنظورة!! وكان فريد وحده أو فريد ومعه تلميذان أو ثلاثة من مريديه يعملون للحق ويخلصون للدولة العثمانية إخلاصهم للامة المصرية
وهذه إحدى الصفحات التي كانت تفوتنا لو قضى فريد حياته في تاريخ الأبطال، ولم يقضها بطلاً يرتجل هذه العظات والأمثال