وأما المأموني فيحدثنا عنه الثعالبي أنه فارق وطنه بغداد وهو حدث إلى مدينة الري، فامتدح الصاحب بن عباد بقصائد أعجبته فأكرم مثواه وقربه. يقول الثعالبي: (فدبت عقارب الحسد بين ندماء الصاحب وشعرائه، وطفقوا يركبون الصعب والذلول في رميه بالأباطيل، ويتقولون عليه اقبح الأقاويل، فطوراً ينسبونه إلى الدعوة في بني العباس، ومرة يصفونه بالغلو في النصب واعتقاده تكفير الشيعة والمعتزلة، وتارة ينحلونه هجاء في الصاحب يعرب عن فحش القدح، ويحلفون على انتحال ما اصدر من شعر في المدح، حتى تكامل لديهم إسقاط منزلته لديه، وتكدر ماؤه عنده عليه. وفي ذلك يقول قصيدة يستأذنه فيها للرحيل:
وعصبة بات فيها الغيظ متقداً ... إذ شدت لي فوق أعناق العدا رتُبا
أرى مآربكم في نظم قافية ... وما أرى لي في غير العلى أرباً
فارق المأموني الري إلى نيسابور، وفيها حينئذ أبو بكر الخوارزمي الكاتب المعروف، فأشار عليه الخوارزمي بإنشاء قصيدة في الشيخ أبي منصور كثير بن احمد يسأله فيها تقرير حاله عند صاحب الجيش أبي الحسن بن سيمجور - وبنو سيمجور من ولاة الدولة السامانية وقوادها - فأنشأ المأموني القصيدة وابلغها الخوارزمي الشيخ كثيراً، وحسنها لديه وأثنى على هذا الشاعر الشاب. فوقعت القصيدة ممن أهديت إليه موقعاً حسناً، وفي هذه القصيدة يقول:
إلى الله أشكو مُنًى في الحشى ... تضُمن جنبايَ منها سعيراً
تُفارق بي كل يوم خليلاً ... وتفجع بي كل يوم عشيرا
فإن تسألانِيَ يا صاح ... بي نص السُرى تجداني خبيرا
ففي كل يوم تراني الركا ... بُ أفارق ربعاً واحتل كورا
إذا سرت عن صاحبي قلتُ عُ ... دَّ لعَودي السنين وخل الشهورا
أراني ابن عشرين أو دونها ... وقد طبّق الأرض شعري مسيرا
إذا قلت قافية لم تزل ... تجوب السهول وتطوى الوعورا