ولو كنت أخطب ما استحق ... لما كنت أخطب ألا السريرا
ولو سرتُ صاحت ملوك البلا ... د بين يدَيَّ النفير النفيرا
ولكنني مكتف باليسير ... إذا سهّل الله ذاك اليسيرا
ويتبين في هذه القصيدة نشوة الشباب، وفخر الشاعر بآبائه واستحقاقه الملك كما تتبين قناعته ورضاه باليسير، وما طموحه وقناعته ألا من التناقض بين الانتساب إلى المأمون والمدح والعطاء.
أنهى الشيخ كثير أمر هذا الشاب العباسي الشاعر إلى صاحب الجيش.
يقول الثعالبي: (فلما وقف على صورة حاله أنهاها إلى صاحب الجيش فاستدعاه. وحين وصل إليه، استقبله بخطوات مشاها اليه، وبالغ في إعظامه وابلغ في إكرامه. ثم خيره بين المقام بنيسابور وبين الانحدار إلى الحضرة ببخارى - يعني عاصمة الدولة السامانية - فاختار الخروج فوصله وزوده من الكتب إلى وزير الوقت وغيره من الأركان)
رحل الشاعر الشاب عن نيسابور ميمما بخارى فابلغه إليها سفر طويل شاق؛ وكأنه يصف هذا السفر في أول قصيدة أنشأها في بخارى مادحاً أحد رؤسائها أبا الحسين عبد الله بن احمد:
وليل كأني فيه إنسان ناظر ... يقلب في الأفاق جفنيه داميا
إذا ما أمالتني به نشوة الكرى ... تمايل في كفي المثقف صاحيا
وأمّا طما لُجّ المنى بين أضلعي ... تعسَّفت لجا من دجى الليل طاميا
فأمسى شجا في ظلمة الليل دالجا ... وأضحى قذى في مقلة الصبح غاديا
أحسن أبو الحسين وفاده ابن المأمون، وبلغ الغاية في إكرامه. يقول الثعالبي:
(فتقبله بكلتا اليدين واعجب منه بفتى من أولاد الخلافة يملأ العين جمالاً والقلب كمالاً)
وواصل صلاته، وخلع عليه، وألحقه في الرزق السلطاني بمن كان هناك من أولاد الخلفاء: كابن المهدي وابن المستكفي وغيرهما. وتتابع الوزراء على إكرامه، فكان كلما دالت الدولة لوزير نافس من تقدمه في الحفاوة والبر به
يقول الثعالبي: (وجعل كل منهم يربى على من تقدمه في الإحسان إليه، وإدرار الرزق عليه، وإخراج الخلع السلطانية والحملانات بمراكب الذهب، حتى حسن حاله، وتلاحق